ثنائيات السيِّد الذي رحل .. (رواية محمد قطب)

ثنائيات السيِّد الذي رحل .. (رواية محمد قطب)

ثنائيات السيِّد الذي رحل

(رواية محمد قطب)

 

[ تهبط الحياة على الإنسان ، أو يهبط عليها الإنسان ، فلا يدرك لها معنى إلا حين يدرك معنى الموت ، وكما يؤكد هذا ثنائية الوجود والعدم ، فإنه يؤكد درامية التنازع بين قطبي الثنائية . في إطار هذه الثنائية الحتمية تتوالد ثنائيات أخرى هي التي صنعت هيكل هذه الرواية ، ولونت تجربتها (الريفية) بألوان الطبيعة البشرية الضاربة بجذورها في عمق وجودها ، وارتفعت بتردد الأصوات فيها من منازل القرية إلى مدارات الكون ، وتحركت حياة “السيد” ما بين هوى القلب وضوابط العقل ، وما بين النجاة بالعلم وتأولات الخرافة . فكان وجوده بين عدمين علامة على ثنائية مجاهدة الإنسان : الظفر والقهر ] .

 

من بين الروايات التي تتخذ من الريف بيئة مكانية لها ، تنفرد هذه الرواية بمنحى خاص بها يغني مستويات الرمز وحرية التأويل بما لا يتاح لرواية “ريفية” أخرى . إن الكثرة من هذا الانتماء البيئي تفرض وجودها على ذاكرة التلقي بفعل السبق الزمني أو بحدة التقمص الأيديولوجي . في روايات : زينب ، والأرض ، والحرام ، والجبل نجد الحفاوة بالطبيعة ، وبالإنسان الموقف والقضية الاجتماعية ، وليس في “السيد الذي رحل” شيء من هذا ، ويتأكد جانب “المطلق” فيها أنها تجري في قرية مصرية الملامح والعلاقات ، غير أنها ليست محددة بالاسم ، ولا بالموقع ، وليست ذات علاقة بمدينة قريبة أو بعيدة ، ولم يحدث أن وفد عليها غريب غير هذا السيد الذي أقام فيها عددا من الأعوام ثم رحل ، وكذلك لم يغادرها أحد إلى مكان ، مما يجعل منها قرية ذات طبيعة خاصة بها ، وإن كانت – بوجه عام – قرية أرضية شديدة الارتباط بالواقع قادرة على استدعائه وتنبيه الوعي به ، وقد توازن هذا الإطلاق المكاني بإطلاق آخر زماني ، فلولا أن “صابحة” استخدمت مسحوق الغسيل ، وأنه مما قيل عن “الأستاذ” أنه يجبر تلاميذه على تلقي “الدروس الخصوصية” ما وجدنا مؤشرا دلاليا يقرّب إلينا زمن الرواية ، وهذا المستوى من تجنب التحديد الجازم لمكان الرواية وزمانها ، وهما العنصران الفاعلان المهيمنان على الرواية الفنية ، كلاهما ، أو بالتبادل أو على التعاقب ، كان يدفع بقوة إلى استصحاب العنوان “السيد الذي رحل” مفتاحا شديد الحضور لتوجيه القراءة وتأطير التلقي، ويدعم هذا شعاع من التشكيك يتقاطع واليقين في كل مراحل الحدث ، ومكونات الشخصيات ، والأفكار ، والنتائج ، مما يفتح الطريق أمام مالا ينتهي من الاحتمالات والتأويلات ، ففي عنوان الرواية يتصدر “السيد” الذي نعرفه اسم علم ، وصفة ، على تباعد الدلالة في كل من الاستخدامين ، وهو غريب زرع نفسه في القرية يوصف بأنه “الحسيب” ، وكذلك فإن رحيله كان بالموت وليس بالنزوح عن المكان ، وأيضا فإن العنوان/الجملة يحتمل التمام (المبتدأ والخبر) كما يحتمل الانتظار ومن ثم التقدير ، لمحذوف تنتجه الرواية ذاتها . وإن تصدّر “السيد” تغري بسيطرة “الشخصية” وأنها التي تشكل بنية الرواية ، وهذا صحيح في بعض ما يعنيه ، فالسيد شديد الحضور في كل الأحداث والمواقف منذ “ظهر” في هذه القرية وإلى أن تراجع حضوره واختفى هذا الاختفاء المعنوي الذي أخذ صيغة الموت ، ومع هذا البزوغ للشخصية سنجد ما يعارض هذا التصوّر الجاهز “المريح” ؛ لأن هذا السيد لم يأخذ موقع المبادرة أو المبادأة في فعل واحد ، كان لا ينقصه الحلم ، ولا المنطق ، ولم يغب عنه الهدف الذي يعلنه في أكثر من مناسبة ، ولكنه كان “رد فعل” أكثر منه فعلا ، وكان ضابط إرادة ، أكثر منه صاحب إرادة، وكان مستفيداً من حدث يتولد في الخارج (الموضوعي) أكثر منه صانع حدث يؤسس به واقعا جديدا ، وكل هذا يدفع به – مع الرواية – إلى أفق الحلم ، أو الأمنية التي تنقدح من شرارة الواقع الصدامي الذي نعيشه (على مستوى القرية/الوطن/العالم/الحضارة) ولا يرقى إلى مستوى المثال أو اليوتوبيا . ولكن هذا الموقع “الوسطي” للسيد وما يمثله من فعل يستند إلى “القيمة” وليس التأثير ، ومن ثم يظل هذا السيد العمود الفقري المستمر عبر مفاصل الرواية ، والقادر على منحها دلالة تتجاوز بها معطيات الواقع المباشر ، تتحرك بها بين أن يكون هذا السيد زعيما سياسيا إصلاحيا عايشنا بزوغه من رحم المجهول ورحيله المتوقع بالموت بعد الانطفاء ، وأن يكون هذا السيد ذاته حقبة من زمن الإنسان (الإنسانية) وهي تغادر سطوة القهر أو سلطة القهر التي تحاصر وجود الإنسان في ذاته الفردية ، إلى الشعور بالآخر والعمل بين الجماعة ومعها ، بل يمكن أن يكون هذا السيد نفسه القرن العشرين الذي يرحل الآن ، وقد أحدث في حياة البشر تغيرات كما فجر آمالا وخلف حسرات وأحلاما محبطة . وفي كافة هذه الدوائر أو المحاور المتداخلة ستكون القرية ، كما يكون السيد والعمدة ، وشيخ الخفراء رموزاً أو أقرب إلى الرموز ،ولكنها رموز تم استنباتها في أرض الواقع وليس في فضاء الأحلام ، وإن القراءة التأويلية للنصّ ستجد لكل مستوى ما يغذيه ويرشحه ، ومن الطبيعي أن تكون لهذه القراءة موقفها التاويلي ، أو رؤيتها ، دون أن تحاول طمس ما يغاير أو يناقض . والمهم أن هذه الرؤية ليست اعتباطية أو جزافية ، إنها – كما اكتشفت بأسس موضوعية متحققة في الرواية أن شخصية السيد هي المهيمنة حتى وإن كانت تولد في داخل الموقف أو الحدث ولا تصنعه ، أو تتخيله قبل أن يكون – فإنها – كخطوة تالية – لابد أن تكتشف الصيغة المتكررة ، أو العلامة التي تمثل الملمح الأساسي في مسيرة السيد ، وأن تكتشف كذلك تلك البؤرة ، أو اللحظة الجامعة الفاصلة التي بمكنتها أن تقدم التفسير المقنع لكل مفردات هذه الذات المتميزة بتجربتها .

 

إن عدداً من العلامات المتراتبة تبدو كثوابت تدفع بشخص السيد من الفردية إلى النمطية التي تقترب به من تشكيل البطل الملحمي الذي يتبنّى أحلام الجماعة ، ويقودها ، ويرتهن مصيره بتحققها ، وينتهي دوره ببلوغها ، أو أن تكون حياته ثمن إعلائها وتثبيت قيمتها كهدف نهائي لهذه الجماعة . إن الفتى الذي حمل اسم السيد ، أو اجتباه لنفسه نشأ في واقع هو ضد هذه السيادة ، فهو مجهول الأب ، أو جاء فلتة – كما يتحدث عنه أهل قريته – ولكن دون رضا بهذه الدونية المشاهدة والممارسة ، إذ لم ير من أمه إلاّ الصلاح والضراعة ، فكيف يتصور أن تختار غير الطريق الصحيح لمجيئه إلى الدنيا ، وحين حاصرته نظرات القوم المسمومة فإنه لم يواجه شرهم بالشر ، وإنما بالعزلة ، والعبادة ، وطلب العلم وصدره القرآن ، حتى إذا قرأ سورة الكهف ذات ليلة جاءه الهاتف في فجرها يستحثه على الرحيل ، فرحل بليل (مهاجرا) إلى تلك القرية الأخرى التي نشهده فيها . فقد تحققت لنشأة السيد أهم ركائز البطل الملحمي (الشعبي) : أن الشبهة أو الغرابة تحيط بمولده ، وأنه ينشأ يتيما ، وأنه مجفوّ من قومه ، وأن نصرة دعوته ترتبط بالهجرة ، فهذا الكهف الماثل في السورة القرآنية ، الذي هجره هو ماضيه ، وقريته ، وسلبيته أو وقوفه عند حدّ التلقي ، لأن أول أعماله في القرية التي حط رحاله فيها كان رفض التهمة ، ورفض إضمار المنابذة ، من ثم بدأت مرحلة أخرى ستكشف لنا جانبا من طبيعة المرحلة الأولى المضمرة في مسيرة هذا السيد . على أن هذا الكهف المعنوي ، الذي غادره ذات فجر ، يتسع لأن يكون حالة العماء والاختلاط التي يعانيها الفكر إذ يتداخل مع العواطف والغرائز وأنواع الجنوح ، فلا يصل إلى التحدّد والوضوح إلاّ بهذه النقلة (الهجرة) إلى مستوى آخر من العلم والعمل . لقد استطاع الغريب الفرد المزروع في غير أرضه أن يحوز قلوب الفقراء ، وأن يمثل ضاغطا على أصحاب السلطة والثروة، فكان “الكل في ساحته” ويقال عنه “وهل في البلد سيد غيره ” ؟ فكان المصدق في أمانته ودعواه حتى فيما لا تجري العادة على الموافقة فيه ، وفتحت له الأبواب والجيوب والقلوب ، ولكنه رحل كما جاء ، وحيداً ، منسيا تقريبا ، ولكن بعد أن رفع شعارات جد خطيرة ، وأجرى بنفسه تطبيق بعضها ، فالحياة فعل ، ونموذجها حبة القمح حين توضع في التربة ، ثم يوكل سرها إلى خالقها ، والأرض لمن يفلحها (ص117) والقلب هو المرشد إلى الضلال (ص134) والأخضر سيد الألوان (ص148) أما الكنز الموعود فيوزع على الكافة حسب الحاجة ، وليس احتكارا لصاحب الأرض التي قيل إنه مركوز فيها (ص162) ومثل هذا مارسه في توزيع لحم الذبيحة (ص194) وليس من شك في أن هذه المقولات التي تمنح الرواية جدتها الفكرية وتكاد تصعد بها إلى مستوى الرؤية الفلسفية تتعارض وما استقر في القرية المعروفة بالخبرة المباشرة من قوانين وعلاقات طبقية ، وهذا التعارض يدعم ملحمية النشأة بملحمية الرسالة ، والهدف ، لأن السيد لم يكن يعمل لتحقيق غاية ذاتية ، ولم يكن عمله ردّ فعل لمعاناة خاصة ، أو ثأر خاص – على قدر ما تعرّض له من إيذاء واتهام ، فقد كان العفو مبذولا ، وكان إحسانه موصولا ، فاستهدى العقل في عمله ، ولكنه غرس محبته في القلوب . 

 

ثنائيتان تتنازعان حياة السيد من أصل وجوده إلى آخر أيام حياته :

الثنائية الأولى : العقل والقلب ، والثنائية الأخرى : العلم والخرافة . سنمضي نستجلي هذا التشكيل الخاص وكيف صنع بنية الرواية ، بمعنى أنه تجاوز الشخصية في عالمها الداخلي ، إلى سلوكياتها المعلنة ، وعلاقاتها بالقوى الفاعلة والخاملة في القرية ، بما يشمل طبيعة هذه القوى ذاتها . وهنا نستعيد ما ألمحنا إليه آنفا من أن هذا “الحلم” الذي عبر بدنيا القرية مبشرا بالتغيير ، كان ينبثق من حاجاتها المباشرة ، وقدراتها الماثلة ، ظل “مشروعا” أرضيا كشرارة تنقدح من تصادم حجرين ، ولم يبلغ حدّ اليوتوبيا، أو البرق الذي يتولد من فيض السحاب . إن النسب المتحققة قد أكسبت الشخصية (والرواية) طابعا كلاسيكيا متوازنا ، يندر أن نصادفه فيما نتلقى من روايات هذه الحقبة ، فليس في الرواية على امتدادها أحداث فاجعة ، أو مفاجئة ، ولا انفعالات صارخة تصل حد المهاترة ، كما أنها – في تجريد المعنى – ليست هجاء لأحد طرفي الثنائية لصالح الطرف الآخر ، وهذا هو جانب التقنين الرهيف الذي منح مساحة كافية لعالم المشاعر الداخلية ، وكان هذا أحد أوجه الاختلاف مع أنساق الرواية الريفية التي يغلب عليها فقر العوالم الداخلية للشخصيات وانحسار المشاعر وسطحية الفكر في مقابل محاكاة المنظور والمسموع . إن “السيد” والقرية أيضا ، أو أنه مع القرية وبها ، يجتاز منحنى التحول الحتمي الذي تجتازه الدودة حين تثقب الشرنقة وتكتسب أجنحة تطير بها ، غير عابئة بجلدها القديم الذي تركته لعبث الريح .

 

تبدأ ثنائية العقل والقلب حضورها في منشأ السيد أو ميلاده الذي لم نعرف بالعقل، ولا بالعلم ، كيف تم ، يوصف بأنه : “فلتة” – أي خارج السياق ، أو القانون ، فهل هو المسيح ” وقد مضى زمن الإعجاز”؟ ولكن التجلّي الأكثر بهاء والأقوى دفقا لدماء الحياة في شرايين هذه الرواية ، أن هذا البدء “الظنين” للشخصية رسَّن ألوانه على جميع أفعالها، وترددت أنفاسه في أهم مشاهدها ، ولمعت أضواؤه الخفية تحت المعلن منك كلماتها ، فاكتسب الصراع فيها هذه المسحة الكلاسيكية الجليلة ، حيث ينشب التعارض في الأعماق ، ثم تكون “الحكمة” صاحبة الكلمة الأخيرة ، ولكن .. يا لها من حكمة !! إن جذورها تنزف بدماء المجاهدة لبلوغها ، فتشي بسّر الهوى الدفين ، كما تؤكد قدرة الإنسان على تجاوز مادته الأرضية بأن يسير وينطلق ، وإن لم يحلّق .

 

وفي إطار هذا المنشأ الاحتمالي أو الظنين تمضي أعمال “السيد” وسطا بين جموح القلب وكبح العقل ، وسطا بين يقين العلم ووهم الخرافة ، فتحقق توسطا آخر بين الماضي والمستقبل . إن السيد يستخدم الكثير من كلمات الصوفية ، ولعله أقرب إلى الصوفية العملية (لأنه لم يعتزل الحياة ولم يقاطع المجتمع ، وإنما انغمس في شئونهما ، من هذه الألفاظ الصوفية : القرب ، والمجاهدة ، والوجد ، والمحبة ، والدليل ، .. إلخ ، بل إن بداية التحول عن قريته إلى مهجره ذات طابع صوفي خالص ، فبعد الهاتف ، كان الخروج من الكهف ، وكان الشوق إلى موج الحياة المترع بالخضرة والبهاء “فما أجمل أن يندمج الإنسان في الكون حتى يصبح ذرة من ذراته ، سالكة في مداره ، منسجمة مع الملكوت .. وجاءه صوت طائر يردد لحنا شجيا فانسرب إلى داخله ، وامتزج ، فشعر بأنه يخف ويشفّ ، وينسلخ عن هذا الرداء الغليظ الذي يحدده ويجسمه ، كما تناهى إلى مسامعه أصوات أنين موجع ينبعث من منحنيات النهر حيث السواقي والتوابيت ، فانبجس في داخله انفعال جائش يعبق بعطر الوجدان الطازج الذي يحمله منذ جاءه الهاتف يدعوه إلى الرحيل .. ذلك الانفعال الذي يشعره بأن القلب موصول بنبعه الأزلي ، وأن الرغائب الجسدية محكومة بخيط الحياة ، واستمرارها ، وأن السمو في التسامي والعلو ، وإن خلف وجعاً ، وألماً ، وأنيناً ” (ص143) .

 

هذا الوصف لعالم المشاعر ، وقد أسند إلى السارد ، أقدر اللحظات على تحديد أفق التجربة الصوفية (العملية) القائمة على مجاهدة النفس ، وليس قتل الشعور ، وتأتي “الظنة” من تخلل ألوان من الشعوذة ، فهو يفتح المندل ، للإرشاد عن سرقة البهائم ، ويكتب الأحجبة ، ويعلق فتح الكنز على ذبح طفل دون الثالثة وفوق الثانية عند مدخله “ويكون الذبح لحظة أن ينشقّ النور عن الظلام .. لابد من إراقة الدم في سبيل تحقيق الحلم” (ص168) غير أن هذه الدعوة الأخيرة تنهي موقفا غاية في التعقيد ، وتفتح طريقا لعقلانية لم تكن في الحسبان ، فقد احتدم الجدل في القرية حول الكنز وهل هو ملك خالص لمن سيظهر في أرضه ، أم أنه مشاع لأهل القرية ، وقد انحاز السيد إلى رأي الثاني ، متلمساً عليه أدلة من الشرع وحكم العقل ، فلما رأى النزاع يوشك أن يكون دمويا وضع العقدة في المنشار ، فأفتى بضرورة ذبح طفل إذا رغبت القرية في الكنز ، وهو رمز فني عميق ، فالصراع حول الكنز قتل لكل ما تعنيه الطفولة ن ومرجعيته فلكلورية أسطورية ، وبالطبع لن يمكن الحصول على هذا الطفل ، ومن ثم انتهى حديث الكنز ، وتحولت القرية إلى الإفادة منه (عمليا) فنشأت في المكان أسواق ومهرجانات ومصالح ، انتزعت دور الكنز وصنعته دون إراقة دماء !! بما في ذلك ألوان الفساد التي تظهر مع التحولات الاقتصادية الكبرى .

 

ومثل هذا – بدرجة أشد خطراً وأعمق دلالة – يقال في استعانة عائشة ، زوجة الأستاذ ، بالسيد ، للخروج من حالة العقم التي أحبطت حياتها بعد خمس سنوات من الزواج . لقد شكّل السارد هذا المشهد بتوازنات واعتبارات دقيقة ، وكذلك تقوم اللغة بدور مكثف كاشف للوجه المعلن من الحدث ، والعمق الدفين المجهول . إن الزوج هو الذي حدّث السيد عن رغبة زوجته ، وعلل الثقة بالسيد بأنه من أولياء الله الذين لا يمنعون خيرا عن أحد . وهنا يتدخل وصف الزوجة بالجمال الخاص ، وتحسرها على أن يكون هذا الجمال محروما من الامتداد ، والسيد لا يكف عن إرسال الدعاء والضراعة ، ثم يطلب من الزوج الخلوة بامرأته ، فلا يملك إلاّ الموافقة ، وتتأهب المرأة للقاء المنفرد بأن تعنى بجمالها ، وتعد غرفتها وتهيئتها وفق تصور بعيد عن جوّ الدعاء والضراعة : “تفرش البساط المخملي وتضع المخدات في الأركان ، ولا تنسى أن ترمق جسدها كلما خطت أمام المرآة . هي الآن على الحافة ، إما أن تسقط في قاع معتم مظلم يجلب الموات ، وإما أن تقفز عاليا فتطول الغيم وتمسك القمر وتحتضن الملاذ والملجأ ، وتقبض على البذرة الرابية .. مع السيد لا يبدو الحلم مستحيلا … هذا الانثيال الذي يفيض عليها ويغرقها ويفضحها لم يأتها من قبل . أيكون البشارة ! ما أشدّ حاجتها إليه” (ص128) هنا تحضير لمشهد جنس صريح ، تؤدي فيه مفردات الوصف وظائفها الإيحائية في موقف لا يتحمل الكشف الصريح ، ولكن ماذا تعني الستائر ، والبساط المخملي (بعده بقليل سنطرح جسدها أمامه ساكنا ، سجادة مخملية أخرى !!) والمرآة ، والحافة ، والسقوط ، والقفز ، تحتضن الملاذ ، تقبض على البذرة الرابية ، يغرقها .. ويفضحها .

 

حين انعقدت الخلوة ، تجلى الضياع محايد ، ينبئ عن استعداد للتلبية : “جلس السيد على البساط . لملمت ثوبها وجلست ، دفست يديها بين طيات الثوب” فالمرأة العقيم ليست الشطر الفاعل في تشكيل المشهد ، القضية قضيته هو تحديداً : “رآها كاملة البهاء، ناضجة الأنوثة ، فتذكر الزلزال الذي كان يداهمه ويكتمه بإرادة من فولاذ .. تبادلا نظرة طويلة صامتة فانكشف القاع .. مشت يداها تمسح على جسدها كله ، وتتباطأ في المسح، وكأنما تفعل ذلك بفعل غريزة جائحة لا سيطرة لها عليها .. صدقت فيه ملتاعة .. قال : ستكونين أما بمشيئة الله فلا تقلقي” (ص129) هذا الحضور “الرباني” في سياق مشحون بدوافع الرغبة ومظاهرها أشبه بوضع البخور على الجمر قلا يلبث أن يتحول إلى دخان ، وإن كان دخانا زكي الرائحة . إن جانب “المجاهدة” يتماوج بين صعود وهبوط ملتمسا مبررات صعوده وهبوطه من المصدر ذاته :

  • انطرح جسدها أمامه ساكنا ، وداخلها يعزف لحنا سماويا .
  • وأدرك أن الرغبة إنما هي تدريب على ممارسة الحياة في لحنها الأبدي .
  • ولكنها يجب أن تقف في مكانها لا تتعداه ، وإياها أن تهدم هذا البناء الشامخ الذي أقامه يوما بعد يوم ، حتى صلب وامتد جداراً سامقا .
  • واقترب من الباب ، وصوته عال كالصراخ ، وهو يقول كالمحموم :

اللهم اشفها ، اللهم اشفها ، اللهم اشفها ..   

حتى أن الزوج في الخارج أرجفه الدعاء فبكى ..

  • وانتحى ركنا في الحجرة ، وجلس القرفصاء ، ثم نهض ومعه قطعة من القطن مبلولة ، تصدر منها رائحة الزعفران ، وقال هامسا : بعد أن تتطهري .. ضعيها في مكانها ، ولا تأتي زوجك قبل ثلاث ليال .

 

هذه الإشارات الضوئية المحددة تضع علامات المشهد ، كما تعمق بؤرة الشخصية التي هي عماد الرواية ، وهي في الصفحات 129 ، 130 ، 131 ، وبعد عشرين صفحة (ص147 ، 149) سنعرف أن عائشة أنجبت بنتا ، وأن “السيد” اكتسب بهذا التحوّل منزلة أثيرة في بيت الأستاذ ، وأنه حين يجلس في حديقة الدار يسأل : أين ابنتي ؟ فترتمي البنت على صدره ضاحكة ، أما عائشة المنطوية على سرها الغامض فقد “وقفت بجانبه ، ينبعث من العينين ألق ينطق بالوفاء والشوق والمنة الصادقة :

  • أخذت منك الأنف يا السيد (!!)

 

إن السيد – الذي يعرف ما صنع – يتأول ، حتى أنه “حمد الله أن استطاع أن يضفي بعضا من الهناءة الدنيوية ، على قلوب كانت عطشى إلى السعادة ” . وهذا السلام الداخلي الذي يحتمي به من قلق الضمير يقوم على تسليم له وجه صوفي ن وهو ” أن الله يهيئ الأسباب ، وما نحن إلاّ وسائل يصطفيها الله ويرسلها” فهنا تنبسط مساحة التسليم لتشمل محراب العابد ومخدع الغانية في إطار “المقدور” .

على أن خلافا حادا – في نهاية الرواية – ينشب بين السيد والأستاذ ، بعد المودّة والاعتراف بالجميل ، وليس مصادفة أن يكون الخلاف حول لحم الذبيحة ، ومن الأحق به؟!

على أن هذا النسخ الجنسي في الرواية لا يبدأ بالسيد ، وليس سببا فيه في كل أحواله ، ولكنه ينتهي عنده حاملا المعنى نفسه : الظنة والمجاهدة ، تلك الحالة التي تغذي مستوى المباشرة والراهن في قراءة الرواية (أنه رجل بين الدرويش والمشعوذ صادف بيئة جاهلة استسلمت له ثم تمردت عليه أو تجاوزته) كما تغذي مستوى الرمز الأسطوري فتذهب بنا إلى زمن صراع الفطرة والعقل ، لتخرج الأخلاق من حالة العماء إلى الوضوح . وفي هذين المستويين من التلقي تقف شخصية “صابحة” إلى جانب عائشة، بل تسبقها بدءاً ، وتتجاوزها حضورا وتأكيداً للمستويين كليهما . مبتدأ “صابحة” يجعل منها “يوكاستا” شعبية ، التي حضنت الطفل حتى أصبح غلاما ن فلما تطلع إليها بعيون الاشتهاء الخاضع لم تستطع مقاومته ، أو لم تصرّ على المقاومة ، وقد اختلط عليها معنى الشفقة وحدودها ومطالبها ، وراق لها – في لحظة خاطفة – أن هذا الاتصال الجنسي يرقى بها من مكان الخادم إلى موقع السيدة ، أو المرغوبة (ص58) وإذا كانت الأسطورة الإغريقية ، كما في مسرحية سوفوكليس ، قد جعلت الموت من نصيب يوكاستا، والنفي من نصيب المتنكر لحق الأمومة (أوديب) فإن أوديب المصري ، وهو ابن رمزي وليس من بطنها ، انطوى على سره ولزم الصمت ، أما يوكاستا المصرية (صابحة) فهي التي واجهت النفي لتتطهر به ، وفي المنفى ظهر السيد ، كما تأكد تدبيره وتأويله الخاص ، الذي حوّل النفي إلى “هجرة” ، فالغرباء أقرباء ، كما يقول ، من ثم لا يرضى إلاّ أن تعود صابحة إلى وطنها في القرية ، تحت حمايته ، وتبنيه لولدها ، وعمله على أن تأخذ موقعا اجتماعيا “شرعيا” فيزوجها لشيخ ضرير من مريديه . إن “صابحة” الرمز توازي تجربة السيد مع القرية بتمامها ، فقد ظهر تابعا مستجديا للعطف ، وكانت صابحة قد انتفخ بطنها فاختفت بعارها من القرية ، ثم التقى السيد بها يوم وضعها ، في منفاها ، وهذه الفترة الزمنية ذاتها ، والتي اكتمل فيها الجنين وطلب حقه في الميلاد ، هي بذاتها الفترة الزمنية التي انتقل بها وضع السيد من الوقوف بالأبواب ليقرأ الفاتحة ويمضي ، إلى التصدر في حلقات الذكر واستقبال المريدين ، ومع صابحة أيضا يتنفس المستويان كذلك ، فهذا التعاطف العميق مع خطيئة صابحة هو من قبيل قرابة الغرباء ؟ أم من قبيل: من كان منكم بلا خطيئة فليرمها بحجر ، أم من قبيل أن العابد والعاهر يلتقيان في ساحة المقدور ؟ وهل كانت القرية “رحما” أخرى تكوّنت ونضجت فيها تجربة السيد ، موازيا تكوين الطفل ابن صابحة ، الذي نسبه إلى نفسه ؟!

 

إن علاقة صابحة بالسيد أكثر حضورا ، وأكثر تحررا من هيمنته ، إذا قيست بعلاقة عائشة به ، والمفارقة الواضحة تظهر ليلة موته ، فقد حلمت عائشة به ، والرمز الجنسي واضح تماما في هذا الحلم (ص23 -26) وهو واضح أيضا فيما تصور به مشاعرها رمزا آخر الرواية (ص213) أما صابحة فقد سبحت ضد رغبة السيد ، ومارست حريتها – بما فيها الحرية الجنسية ، وكأنما تأخذ ثأرها من ظلم الرجال لها ، واضطهادهم لها قبل أن ترفرف على رأسها راية حماسة السيد ، وإعلانه براءتها ، إنها – ليلة موته – لا تجد ما وجدته عائشة في ذات الليلة : كدمة في أعلى وركها حدثت بفعل غلّ واضح ، وإنما تساءلت بدهشة : أيمضي فجأة دون بشارة (ص20) دون أية إشارة (ص29) وبهذا تحرر المعنى المنتج من سطوة وعيها الذاتي أو ربطه إليها ، ليكتسب موضوعيته التي تشارك هي في تأسيسها دون أن تمسك بدفتها . إن صابحة تنشغل بالبشارة والإشارة ، في حين ينشغل زوجها بالكنز الذي ارتضاه له السيد (يختلف عن الكنز المادي الذي تتصارع حوله القرية) أما عائشة فإنها تستدعي بالحلم والرمز اشتهاءً قديما ، في حين لا يتحرج زوجها (الأستاذ) في أن يلمح في ملاحاته للسيد ، إلى أصله المجهول !! فهنا مفارقة متأملة ، فأم الطفل المجهول تنتظر البشارة ، ووالد الطفلة الظنينة يرمي الوالد الحقيقي بدائه !!

 

إن المستويين المشار إليهما قد استخرجا من بناء لغوي جهد أن يستوعب في مفرداته وسياقه الاحتمالين كليهما ، وهذا أمر يصعب التوفيق فيه لتباعد المرمى ، ومن ثم لا محيد عن الجنوح إلى الواقع ، أو الرمز ، في هذا الموقف أو ذاك ، على سبيل التغليب ، أما ما يصنع جوهر الرواية أو عمودها الفقري المشكّل من “السيد” ، متعارضا / يتوافق مع عائشة وصابحة ن كل على حدة ، فقد بلغ بلغته المستوى الذي يفي بمرامي رواية ذات مستوى اجتماعي واقعي ، ومستوى أسطوري رمزي فلسفي . لقد استخدمت مفردات قادرة على الوفاء والتحضير لمشهد تراجيدي ، هو موت السيد ، ففي تلك الليلة كان نباح الكلب مثل ندابة في مأتم ، وامتزجت : تراتيل الحزن ، بتراتيل العويل ، وفي تلك الليلة اكتمل التحضير للفاجعة (الرحيل) والتمهيد لتقبل أساسها القديم (الظنة) فقد تسمع الخفير على فتى يحاول إكراه زوجة أخيه الغائب على الخطيئة (ص16) واستخدمت اللغة بعكس دلالتها : غبشة النور ، و : غاطس فيا لنور (ص20) ويمتزج اللفظ الصوفي (سبقت الإشارة إلى بعضه) بالتوسع في استخدام الوصف “غويط” : ص8 ،23 ، 40 ، 64 ، 127 ، 198 ، 206 – والوصف “غاطس” ص10 ، 20 ، 20 ، 48 ، 176 للمادي والمعنوي والمجرد سواء ، وينادي الرجل : “يا سيد” ص : 29 ، 30 ، 78 ، 80 ، 112 ، 116 ، 194 ، ولكن “ال” المخصصة التي تدعي القصر تغلب على النداء في النصف الأخير من الرواية ، ص : 105 ، 133 ، 146 فينادي : “يا السيد” . ويهتم السارد بوصف الأصوات ، مستدلا بها على الطبائع ، ومستعينا على تجسيد حالات نفسية يصعب الاهتداء إليها بغير طريق التنفس والإفضاء الصوتي وإن دون كلام :

توصف صابحة مركزة في : ضحكتها المشربة بخدر الصوت المذبوح (ص11) .

وليلة موت السيد      : دوّى صوت مخروق راعب (ص17)

                                : صوت مسنون تلفظه حناجر النسوة (ص18)

                               : الصوت ينساب كالموجة الموحشة (ص18)

                               : رنين صوت حزين مكتوم (ص20)

                              : صوت حزين مقذوف (ص31)

                              : طاف الصوت متقطعا ، وحط على الآذان وانسرب إلى الداخل (ص48)

                             : صوت مشروخ (ص66) .. إلخ .

 

لقد كتب المحور الملحمي التراجيدي بلغة شعرية كثيفة ، لم يختلف فيها أو يتفاوت لفظ السارد مع عبارات الحوار المسندة إلى شخصيات تصنع الحدث . هكذا كان الأمر مع عائشة ، والأستاذ ، وصابحة . أما المحور الاجتماعي الواقعي ن حيث العمدة ، وشيخ الخفراء ، والخفير ، وعبد العظيم وزوجته .. إلخ ، فقد كانت اللغة على وفاق مع الحدث العابر ، المرتبط بواقع قروي ، مرحلي ، فهي لغة بطيئة ن فضفاضة ، تتناثر فيها أدوات العطف (الواو خاصة) و” قد” دون حاجة ، وتترادف الأوصاف مؤكدة ومجسدة لرتابة الحياة الاجتماعية في القرية ، وجمودها في تكرارها وعدم حتميتها ن بل تتسلل إليها درجة من الافتعال ، وتجنب المألوف المأنوس بإقحام “التفاصح” عليه ، مثل : كفانا الله الشر (ص42) بديلا لكفانا الشر ، التي نعهدها ، أو : يعني أذهب إلى البندر أخدمك أيضا (ص56) فأيضا ، التي تعني تفصيحا لكلمة “كمان” مقحمة على نسيج الجملة الذي يصدر عن معجم وحس اجتماعي مباشر ، ومثل : طه ، لن أحادثك (ص150) مع صحة ودقة البديل : أكلمك ، أخاطبك ، فضلا عن درجة القرب من واقع اللغة الريفية المحكية .

 

إن أمورا أخرى (فنية) لا تزال تستحق العناية والتفصيل ، كتقسيم السرد – زمنيا – إلى ثلاثة أقسام ، أو فصول ، وانقسام كل فصل إلى وحدات ، وقد خص القسم الأول بتصوير ليلة رحيل السيد (موته) وكذلك القسم الخير ، فمن العدم ، إلى العدم ، أما النشأة والتهميش فقد تولاهما القسم الأوسط ن ولكن الزمن لم يتدفق في هذه الأقسام كنهر يجري بانتظام ، إن سدودا وبحيرات “ورياحات” تعترض ، وتضبط ، وتكشف ، وتدور ، لتغني الامتداد وترهص بالنهايات . ويتسق هذا وأسلوب الكشف عن الشخصية الحاضرة في كل وحدة ، إن ثلاثة مراحل ، كالثلاثة الأبعاد التي تجسد الكائن ، تتوالى من العام ، إلى الخاص ، إلى الأخص ، فنعرف أن شخصا يتحدث ، ويصف الأمور كما يتراءى له دون أن يكشف عن هويته ، ثم يلقى على نفسه ضوءاً وحيداً ، يصدر عن الآخرين ، فنعرف أنه محسوب على رجال الأمن ، أو الإدارة في القرية ، ثم نعرف أخيراً أنه الخفير!! (انظر الوحدة رقم 1 من الفصل الثالث) يقول (ص179) مفتتحا الوحدة : ” حين لمحته واقفا أمام باب الجامع …” بعد أسطر سنعرف شخصية هذا الواقف ، دون أن نعرف المتكلم ، الذي سيمضي في استرساله إلى أن يقول بعد ثلاث صفحات : ” ليس هناك شخص غير مرغوب فيه كمن يقوم بمهام الأمن … مع أنني أفلح مثلهم ، وأزيد عليهم المحافظة على الأمن ” (ص181) وبعد ثلاث صفحات أخرى يوجه إليه الغريب كلامه المباشر : “أليس كذلك يا شيخ الخفر ؟” (ص184) وهذا التدرج منهج ثابت – تقريبا – في تشكيل المواقف وتقديم الشخصيات وتحدي علاقتها بالحدث الراهن ( مثلا ما يتعلق بعائشة ص22 ، 25 ، وصابحة ص202) وبذلك يكسر السارد رتابة ارتياد مجهول الرواية ، كما يحاول أن يغاير في زاوية الحكي ، فيحدث تبادل يكسر سياق الألفة، (انظر الصفحات 64 ، 170 ، 175 ، 208) فيتم الالتفات في مستوى المتكلم ، أو المخاطب ، أو الغائب ، ولكن السارد يحقق انفراداً بنائيا في صنع لغته حين يدمج هذه الإمكانات اللغوية بحيث تبدو في نسق المونولوج الذي يستوعب كافة صور الكلام ، وكأن الكاتب – بهذه اللغة – يعيدنا إلى جوهر موضوعه ، وأنه رحلة الخروج من مرحلة العواطف والانفعالات التي تعتمد التداخل وتتنامى به ، إلى عصر العقل ، وقدرته على سبك المتباعدات أو جدْلِها في ضفيرة واحدة ، هي منطق الحياة وقانونها الشامل ، الذي يتجلى في موقع “السيد” المطلق ، وبهذا تتعدد ثنائيات السيد الذي رحل ن ما بين ثنائية السيد (السلطة الروحية) والعمدة (السلطة المدنية ، وثنائية الأسطوري الملحمي والواقعي الاجتماعي ، وفي إطار السيد بذاته تتجلى ثنائية العقل والقلب ، وثنائية العلم والخرافة ، والمهم أن هذه الثنائيات على تعددها ، قد امتزجت في بناء جمالي اتسع لهذه الأضداد ، بقدر ما ضفرها في جديلة الحياة الممتدة .    

اترك تعليقاً