( الصليب والجرس ) – 29 أغسطس 2016

( الصليب والجرس ) – 29 أغسطس 2016

( الصليب والجرس )
كم يؤسفني ويوجعني هذا التشاحم عبر الصحف حول أحقية بناء الكنيسة في أن يعلوه صليب ، وأن يدق أجراسه في المناسبات المقررة دينيا ، ووجه الغرابة في هذا الحوار المفتعل الذي لا يليق بكرامة مصر ، وعمقها الحضاري ، ودعاواها الإنسانية في أنه لا يمكن لكنيسة – بها المسمى – أن تعلن عن وجودها وأحقيتها إذا تخلت عن رسومها ، وحتى طرازها التاريخي ، وقبابها ، ولست أدري حقا لماذا يغضب البعض من مشاهدة الصليب أو من سماع الأجراس ، وما هي إلا رموز دينية يعتقد بها إخوة لنا نحبهم ونودهم ، ولم نصادف منهم ما نكره ، بل إنني تحدثت ذات مرة إلى صديق مسيحي بأنني أشعر بإنسانيتي في أوجها حين أسمع أجراس الكنيسة القريبة من بيتنا في المعادي ، ولعله استغرب هذا فشرحت له أسبابي ، مبتدئا بأنني لا أعرف بدقة مناسبات قرع النواقيس في الكنائس ، ولكنني استخلصت لنفسي معنى هو الذي يشبع إنسانيتي ، وهو الشعور بأن جماعات من المواطنين تؤمن بدين آخر ، وتعايشني في الزمان والمكان ، تعلن عن وجودها الذي أرى – بحق – أن وجودي يكون منتقصا بغيابها أو التضييق على حريتها في شتى سلوكياتها ، وفي مقدمتها ما يتصل بالعقيدة .
أذكر العبارة الختامية في رواية يحيى حقي الرائعة ( دماء وطين – أو البوسطجي ) حين قتل الأب ابنته جميلة التي أحببناها في الرواية وفي الفيلم على السواء ، وتعاطفنا مع محنتها ، كما تعاطف معها البوسطجي نفسه ، وتمنينا لو تحظى بالغفران ، وتنال صفح والدها ، ولكنه – هذا العجوز الصعيدي – أبى عليها ذلك .
في ختام الرواية قال يحيى حقي عبارة لم أعد أحفظها ، ولكنها أثرت في مشاعري جدا مغزاها : أن دقات الأجراس النحاسية كم تحمل من المعاني الإنسانية المؤلمة ..
لا يعاب أن ترتفع الصلبان والأجراس والقباب فوق الكنائس ، بل هذا مطلوب وإنكاره أمر مشين وعجيب ، ودليل نقص في الإيمان بالله خالق الجميع ، وغياب لمفهوم صدق العاطفة الوطنية وحتى الدينية ..
هذا اعتذار عن حوار كئيب ما كان يستحق أن يكون ، ويجب علينا أن نتجاوزه وننفضه عن ذاكرتنا ، ونطرده من قلوبنا وصدورنا لنفسح الطريق لحياة راضية متناغمة لجميع من خلق الله أن يعيشوا كما أراد الله لهم أن يكونوا ، وليس كما أرادت الضمائر المريضة !!

اترك تعليقاً