أختي أم الخير – 10 سبتمبر 2016
أختي أم الخير
لم تكن أختي على الحقيقة، بل ابنةَ عمي الذي لم أره، ولكن نُطْق اسمها بهذه الصيغة (أختي أم الخير) كان بأمر من والدي مع أن لي ستة أخوات على التتابع. السببُ أن أم الخير بنت عمي، التي حملت اسم جدتها قُتل أبوها (عمي إبراهيم) الأكبر من أبي، وهي رضيعة؛ فألزمنا أبي بهذه الصيغة في نُطْق اسمها؛ إذ لم يكن لها أخ. وكان قتْل عمي إبراهيم بسبب دفاعه عن (شرف) الحِوّار، وهو الحي الذي يسكن فيه أكثرُ العوامر (جمع عامر، وهم عائلتُنا). وقد تولَّى أبي قتْل من قَتَل أخاه، قبل أن يلفظ عمي أنفاسه الأخيرة. وقد ترفَّق القاضي بأبي فحُكِم عليه بالسجن ستة أشهر، قضاها ورأسُه مرفوعٌ بأنه لم يترك قاتل أخيه ينعم بحياتِه. ترافع عن أبي في المحكمة “لطفي السيد باشا” معلم الأجيال (ابن بَرْقِين الحكيم كما دعاه شوقي في إحدى قصائده). أمّا أختي أُمّ الخير فقد كانت زيارتُها في بيت زوجها بدايتَنا مع صباح أي عيد؛ حيث نذهب إلى بيت زوجها ونعطي بنتيها: مكارم وفاطمة وابنَها سامي لكل واحد خمسة قروش “عيدية”. هذا طَقْس واجب لكل عيد زمانَ طفولتنا، أي من خمس وسبعين سنة. أما ما آل إليه مصير أختي أم الخير فقد تزوجت في القرية (خيّاط) يدعو نفسه (ترزي)، وكان لا يجيد مهنته، فلما حدث صدام وزارة الوفد 1950 مع قوات الاحتلال الإنجليزي في القناة، طرد الإنجليز آلاف العمال المصريين من معسكراتهم؛ فتعهدت وزارة الوفد بإلحاقهم في وظائف حكومية مناسبة؛ وهنا استطاع (الخياط) أن يحصل على أوراق تثبت أنه كان من عمال المعسكرات؛ وبذلك أُلْحِق بوظيفة حكومية كاتبًا بديوان إحدى الإدارات الحكومية بالقاهرة؛ وهكذا استقر في أطراف الجيزة، واستقلّ عن علاقات القرية، وغاب في الزحام.
فلا تسألني عن مصير أختي أم الخير….
وكل عام وذكريات العمر الجميل حاضرةٌ ونديّة….