إلى القارئ – 17 سبتمبر 2016

إلى القارئ – 17 سبتمبر 2016

تفاريق [مقدمة لكتاب]
إلى القارئ
قد أرى أن الكاتبَ “العجوز” هو الأحقُّ بأن يلتمس كاتبًا شابًا “جديدًا” يقدِّمُه إلى القراء (العنصرِ المتجدد المتداخل)؛ ليطمئنَهم على أن “البضاعةَ” المقدمة إليهم “في مدة الصلاحية”، لم تفقد هدفها لتفعيل العقل الآدمي!!! هذا رأيي أو رؤيتي، على الرغم من دعوة الباحث الشاب الدكتور إكرامي أن أقدم دراستَه الخصبة في موضوعٍ شديد التشابك، متسع الآفاق، عميق الغَوْر، اتخذ له عنوانًا كاشفًا ومحددًا، ومنهجًا صارما، يحرسه التوثيق الدقيق، والمصطلح النقدي المحدد، والأمانة العلمية الصارمة، والدقة الإحصائية الدالة. هذا على الرغم من اتساع الشريحة المختارة للوصف والتحليل، واتساع الظاهرة باستيعابها لعشرات من الشعراء القدامى، المنتظمين في تعاقب عصور الشعر العربي القديم، وأضعافهم من المعاصرين (وقد بسطت المعاصرةُ هيمنتَها على خمسة عقود أو تزيد)؛ من ثم فإن قارئ هذا الكتابِ “جدلية التراث والشعر عبر استلهام الشاعر القديم في القصيدة المعاصرة) يجني – بالقراءة المتأنية – ثمراتٍ دانيةً قطوفُها تتجاوز النقد الأدبي – بمنهجه أو مناهجه الأكاديمية المتداولة – إلى آفاقٍ من الوعي التاريخي والحضاري، لحيوات الأشخاص (الشعراء) القدماء والأحداث المتناظرة أو المتناقضة ما بين أزمانهم، وزمن شعرائنا (المعاصرين) المحاصرين بالشدائد والأزمات ما بين السياسية والاجتماعية والنفسية.
إن “جدلية التراث والشعر” تعني أولا- ما أشار إليه المؤلف من الفرق بين “العيش مع التراث والعيش فيه”، ويعني ثانيًا – أن “الجدلية” هنا تتجاوز حدَّها المنطقي أو ما تدعو إليه آدابُ المناظرة – إلى كونها منهجًا في أبنية الفكر المجرد، والفكر العملي (السلوكي)، والتربية الممنهجة لموهبةٍ ناشئةٍ تتشكل باكتشاف ذاتِها وآمادِها قياسًا إلى تجارب ومعايير اختبرتْها واستصفت خلاصتها أزمانٌ غابرةٌ انغلقت على معاصريها، فانفتحت على العصور التالية بالقراءات الجديدة.
في هذا الكتاب نلتقي بالشعراء – دون ترتيب من جانبنا: (وضاح اليمن، المتنبي، أبو تمام، عنترة، قيس بن الملوح، أبو العلاء، أبو نواس، مالك بن الريب، امرؤ القيس، ديك الجن، طرفة، عمرو بن كلثوم، السموأل، عروة بن الورد، ابن الرومي، ابن زريق، الشنفرى، الخنساء، خولة بنت الأزور…) وغيرهم.
في استلهام شخصية الشاعر القديم في القصيدة المعاصرة تجاوز الناقد الدكتور إكرامي فتحي تلك الإشارةَ السالبة التي ألصقها شانئو المنهج الفرنسي في الدراسات المقارنة بأنه منهج “إمساك الدفاتر” تجاوزه الدكتور إكرامي إلى رحابة الشعر واتساع المعارف وتعقد الأحداث واختلاف الرؤى في المآزق والأزمات.. فكانت “حرية” الاستدعاء أو الاستلهام عنوانًا على حرية الشاعر المعاصر، التي تناظر حرية التلقي وبناء “أفق توقع مختلف”، يشترك في إعلائه: الشاعر القديم، والشاعر المعاصر، وسيادتك (القارئ) أيضًا، بإشراف علمي نهض به هذا الدكتور الشاب الذي قضى ثلاثة أعوام كاملةً؛ لكي يضع هذا الكتاب بين يديك في صورته الماثلة.

اترك تعليقاً