البطولة ليست لحظة خارقة .. 13 أكتوبر 2016
البطولة ليست لحظة خارقة ..
في زمننا هذا يجري تداول الوصف بالبطولة في سياقات مختلفة : سياسية وتاريخية ، وحتى في المنابذات والهجائيات . إلخ
وأرجح أن المعنى ملتبس ( وليس معنى البطولة هو الوحيد الملتبس في أزمة المصطلح ، وتميع المفاهيم . البطولة – بمعناها الحق – ليست لحظة خارقة ، ليست مغامرة ، ولا مقامرة ( طابت أو خابت ) فهذه اللحظات الإستثنائية يمكن أن يتعرض لها آلاف من الأشخاص يملكون – في لحظة نادرة – قدرة على الاندفاع ، أو رغبة في المنازلة بروح المغامر ، أو المقامر الذي يقدر أن يربح كل شيء أو يخسر كل شيء !!
البطولة – بمعناها الحق – عقيدة في القلب والضمير ، ورؤية استشرافية مبناها الصدق والنقاء ، وحراستها في تكامل الشخصية ووفائها لتاريخها ولكل ما سبق من مجريات حياتها المتسمة بهذه الصفة النبيلة ، بما يعني أن ” البطل ” بفطرته حارس لصفته حتى وإن كانت مكتسبة وغير فطرية ، المهم أنه يتسق مع نفسه في كل مواقفه ، وكل مراحل عمره ، بما يعني أن البطولة ليست جامدة ، ولا إرثا مستحقا بعمل مضى زمانه ، وإنما هي موقف وسلوك يتجدد في أعمال هذا البطل في أي موقع كان ،ومهما امتد به العمر .
في القديم كان صلاح الدين الأيوبي بطلاً حتى وإن أسس بطولته على التخلي عن قدوته ، وسيده ( البطل ) نور الدين زنكي ، وظل صلاح الدين مستحقا لهذا اللقب منذ قدم إلى مصر ، فانتقل بها إلى المذهب السني ، وأعلن انتهاء الخلافة الفاطمية ، وعمل على توحيد مصر والشام ، وخاض الحروب الصليبية ، وأنهاها بنصر أعقبه صلح ، فرّغ دعاوى الصليبيين من جوهرها بأن أتاح لأهل الغرب بأن يحجوا إلى مهد المسيح متى أرادوا ، على أن يكون الحج مقرونا بعودتهم إلى أوطانهم ، وليس بالإقامة في بلادنا عنوة .
أما خلفاء صلاح الدين من أبنائه وأبناء أخيه أبي بكر ، فقد أضاعوا معنى بطولة كبيرهم ، فخان بعضهم بعضا ، واستعانوا بالغرباء ، وتنازلوا عن القدس من غير حرب ، وهذا معروف ترويه صفحات التاريخ ، وربما – كما أرى – أن هذا ينقص من معنى البطولة الذي يوصف به صلاح الدين نفسه لأنه لم يحسن توجيه خلفائه ، ورسم سياسات تحافظ على دولته القوية .
وفي الحديث : نقرأ مسرحية ” الملك هو الملك ” للكاتب المسرحي سعدالله ونوس ، وفيها يصور حاكما كان في يوم ما ثوريا ، بطلا ، قاد أمته إلى النصر ، ولكنه – بعد أن استراح من مشقة الكفاح لم يجد حرجاً في أن يركن إلى الترف والإعجاب بالنفس ، وتسخير الأمة لخدمته ، وخدمة حاشيته ، وحريمه ، وقصوره .. بدعوى أنه أسدى معروفا خارقا لأمته ، فأنقذها من الضياع ، ومن ثم فلا تثريب عليه في أن يتقاضى الثمن ، وهو خضوع هذه الأمة له طوال حياته !! وكانت هذه سقطته التي انطلق منها موضوع المسرحية ، فقد رأى في غفلته واسترخائه الغبي أن يسلي نفسه ، وينتصر على ملله بأن يختار شخصا تافهاً ، ويوهمه بأنه الملك ( لمدة يوم واحد ) ليرى ماذا يصنع في هذا اليوم الواحد ، ولكن المفاجأة التي بني عليها موضوع المسرحية وحدثها الرئيسي كانت في أن هذا الشخص التافه تصرف كملك حقيقي قوي وحاضر ، فأثبت جدارته عند الأمة التي قدرت بطولته الحاضرة المتجددة في حين تنكرت لبطلها القديم وأغفلته تماما .. حتى من كان يتملقه .