طبيخ أمي – 15 أكتوبر 2016

طبيخ أمي – 15 أكتوبر 2016

طبيخ أمي
مع الاعتذار والاحترام لمقام شاعر فلسطين الكبير ( محمود درويش ) الذي سك مطلعه الرائع متحدثا إلى أمه :
أحن إلى خبز أمي
وقهوة أمي
ولمسة أمي
ومحمود درويش لا ينفرد بهذا الحنين العميق لحياته إبان طفولته في القرية ، فكلنا نعيش هذا النزوع إلى الماضي ، حتى وإن كنا نعيش الآن نمطا يبدو أرقى أو أعلى !!
وحتى لو كان محمود درويش يقصد بأمه ( الوطن = فلسطين ) فكلنا أيضا نشاركه هذا الحنين إلى الوطن ، إذا ما دفعتنا ظروف إلى الغربة في المكان ، أو الاغتراب في المعايشة النفسية .
هذه المقدمة عن الحنين والخصوصية ، وليست تأسيسا على القيمة أو الأهمية ، وبهذا الاعتبار يظل ( طبيخ أمي ) حاضر المذاق والنكهة واللذة على طرف اللسان ، حتى بعد رحيلها بستين عاماً .
أما تداعيات هذه العبارة عن طبيخ الأم ، وخبز الأم ، وقهوة الأم .. إلخ ، فمثاره المباشر أن بعض من يملكون حق استغلال أعمدة الصحف بشكل يومي ، أثاره ، أو لفت انتباهه أن ” بوب ديلان ” قد فاز بجائزة نوبل في الآداب هذا العام ، وهذا الرجل يدخل في نطاق ( المبدع الشامل ) فهو موسيقي ومغنٍ ورسام وشاعر ومنشد وفولكلوري .. استطاع أن يصل إلى الجماهير بحساسية أدائه ، وقدرته على النفاذ إلى أعماق أحلام الإنسان ، وتطلعاته .
من الطبيعي أن مؤسسة نوبل بكل جلالها لا يمكن أن تتهاون في ( حيثيات ) استحقاق الجائزة ، وإذا كان أمثالي لا يعرفون تماما وبدقة الميزات التي حققها هذا الفنان العظيم ، فإن أمثالي عليهم أن ينتظروا صدور هذه الحيثيات عن المؤسسة ، وخطبة الفائز نفسه حين استلام الجائزة ، فلابد أنه يمثل ويجسد ، ويمارس مشروعاً وكياناً مميزاً له اعتباره وخصوصيته التي بها استحق الانفراد بالجائزة .
أما بعض هؤلاء السادة من أصحاب الأعمدة فإنه ظن أن جائزة نوبل في الآداب ، قد بدأت تتجه إلى فنون الفولكلور ، وأن هذه خطوة متساهلة في شروط الفوز ، أو تقويمه ، ولهذا سارع بعضهم في عموده إلى حث عدد من أدبائنا ( المصريين بخاصة ) إلى ” تلميع ” أنفسهم بالتقدم بإنتاجهم إلى هذه الجائزة العالمية رفيعة المستوى !! وهذا أمر مؤسف حقا ، ويدخل في جملة اختلاط المفاهيم ، وانفلات المعايير ، والجرأة على الحقيقة ، فإذا كان لا بأس على المستوى الشخصي أن يحن هذا أو ذاك إلى ( طبيخ أمه ) فهذا حقه الفطري ، ولكن ليس من حقه أن يقدم طبيخ أمه معلبا ، مفروضا على العالم .
إنني أُكن الاحترام الواجب لكل من ذُكرت أسماؤهم كمرشحين في هذا العمود الصحفي البائس للحصول على جائزة نوبل ، ولكنني أرى أن المغامرة من هذا المستوى لن تكون أحسن حظاً من مغامرة ( صفر المونديال ) التاريخية التي لا تُنسى ، حتى ولو حصل بعضهم على جائزة الدولة التقديرية ، فجوائزنا – كما نعرف ، وكما هو مألوف – تُمنح لأسباب شتى ليس من بينها التميز الإبداعي بمعاييره العالمية ، على الأقل كان ينبغي أن تصدر هذه المغامرة ( التقويمية ) من ناقد وليس من عمود !!

اترك تعليقاً