فاروق شوشة في الكويت – 29 أكتوبر 2016
فاروق شوشة في الكويت
أعير فاروق شوشة إلى إذاعة الكويت لمدة عام (1963) اعتذر من جانبه عن عدم تجديده مع محبة الكويتيين له ، وإعجابهم به . اختاره للمهمة الشاعر أحمد السقاف ( وكيل وزارة الأنباء حينها ) فشغل فاروق – بمجرد وصوله – موقع كبير المذيعين ورئيس القسم الأدبي ، وظل كذلك إلى مغادرته ، والعودة إلى الوطن .
كانت له غلطة طريفة في سياق إذاعته لأول نشرة أخبار قرأها ، فالمعروف أن قصر الحكم في الكويت يسمى ” قصر السيف ” – والسيف بالسين المشددة المكسورة ، ثم ياء المد ، تعني : شاطئ البحر ، وقصر الحكم على شاطئ الخليج بالفعل ، ولكن فاروق قرأها بمعنى أداة الحرب ( السَيْف ) ولعل هذا التحريف هو الوحيد – ربما – في حياة فاروق شوشة على امتدادها .
وكان أمير الكويت حينها ( المغفور له الشيخ عبدالله السالم الصباح ) – مؤسس الكويت الحديثة العصرية ، يطوف بسيارته – دون موكب الحراسة – بطرق الكويت الطويلة في قيظ الصيف ، ليتفقد حياة الناس في هذا الجو الاستثنائي ، وكان يطيب له أن يستمع إلى أشعار المتنبي وأبي فراس من راديو سيارته بصوت فاروق شوشة ، الذي حرصت الإذاعة على وضعه على خارطة برامجها في هذا الوقت تحديداً .
حين عرفت بوجود فاروق في الكويت كان طبيعيا أن أسعى إليه ، وأن أجمع فريقا من الأصدقاء حوله ، وكلنا جلوس على سجادة ، فرشنا فوقها غطاء بلاستيك فوقه أطباق الدجاج المشوي ، والأرز الملون بالبيض والصنوبر والمكسرات ، أكلة ( عزوبية ) مناسبة ، وكانت علاقتي بإذاعة الكويت قبل فاروق شوشة لم تتجاوز زيارة مع تلاميذ المدرسة التي أعمل بها ، وبرنامج عن تونس أذيع بمناسبة زيارة بورقيبة للكويت ، ولكن بعد فاروق دعاني إلى كتابة سلسلة أحاديث أختار موضوعها ، فاخترت ” الأدب الإسلامي ” وكان هذا فاتحة تواصل مستمر مع الإذاعة طوال مدة إقامتي بالكويت .
أذكر من طرائف وعلامات صفاء نفس فاروق شوشة ، أن حديثي في السلسلة المشار إليها كان عن أبي العتاهية الشاعر العباسي ، وهل كان زاهداً أم متزاهداً ؟ وحدث أن استمع كبير أدباء الكويت المرحوم عبد الرزاق البصير إلى هذا الحديث فأثنى عليه ، وسأل فاروق عني ، فأبلغني فاروق بهذا الثناء المغرق في المدح لدرجة أنني لا أجرؤ على ذكره بنصه الآن ، وكان هذا فاتحة علاقة حميمة بالأستاذ البصير ، ولكن النقطة المضيئة في هذا الموضوع ، أن فاروق شوشة لم يتردد في توصيل المديح إلى شخصي .. وليس مثله كثير ، وإن كان العكس هو الأكثر انتشاراً .. مع الأسف .
وكان فاروق في مدة الكويت متواصلا مع الدراعمة يستكتبهم ، ويقربهم ، كما كان يرعى الأستاذ الشاعر الشعبي الظريف محمد حمام ، الذي كان يعمل بتليفزيون الكويت ذلك الوقت ، وقد تدهورت صحة الأستاذ حمام ، وتوفي في الفندق – الذي كنت أنزل فيه – ( فندق الكويت الكبير ) وقد شعرت بالحيرة والعجز عن مواجهة حادث الوفاة ، مع أنه لم يكن مفاجئا لي ، ولكن حين علم فاروق بما جرى فإنه جاء إلى الفندق ، وعمل على نقل الجثمان ، وإعداده للعودة إلى مصر ، واتصل بأهل حمام في القاهرة ، وصحب الجثمان إلى مطار الكويت ، وحين عاد فاروق إلى مصر ، فإن أول ما عمله أن جمع ديوان الأستاذ حمام ، وعمل على نشره ، ولعلها النسخة الوحيدة لديوان حمام إلى اليوم ..
رحم الله فاروق شوشة .. رحم الله الأستاذ حمام