الوزيرة لا تركب الكارو .. 2 نوفمبر 2016
الوزيرة لا تركب الكارو ..
منذ فترة وجيزة ذهبت الوزيرة المصرية إلى المطار تقصد السفر إلى عاصمة غربية بصفتها الوزارية ، فكان أن فوجئت بأن تذكرة السفر المحجوزة باسمها على الدرجة السياحية ( الاقتصادية ) وهي الدرجة الثالثة في الطائرة ذات الدرجات الثلاث : الأولى – البزنس – الاقتصادية ، فكان أن اعتذرت الوزيرة عن عدم قبول السفر بها المستوى الذي لا يليق بمستوى شخصية رسمية ذات مقام !! وعادت إلى وزارتها .
هنا خطأ ( بروتوكولي ) شنيع ، إذ كيف يجرؤ مسئول عن حجز مقعد في الدرجة الثالثة لوزيرة تمثل وطنا عريقا ذا مقام مثل مصر ، ولا أظن أن وزيرا ، وحتى دون منصب الوزير في سلم المسئولية السياسية – في أي مكان في العالم يقبل بالسفر بالدرجة السياحية .
انقسم الرأي العام الصحفي – في مصر – إلى لائم للوزيرة بدعوى أننا دولة مأزومة مدينة ، تحتاج إلى توفير في الإنفاق ، وإلى من يدعم موقف الوزيرة ويراها على حق .
أنا مع هذا الفريق الأخير الذي يرى أن الوزير ينبغي أن يعامل بدرجته ، وليس بظروفه أو ظروف بلده ، فأي بلد لا يفتقر ولا يصاب بعسر مالي بسبب فروق أسعار التذاكر ، وعلى المتأوهين على الميزانية أن يبحثوا في بنود أخرى ( هي بلاعات وسيول ) وليست بضعة جنيهات تمثل فرق السعر . وفي رأيي أن الوزيرة تنازلت عن جزء من حقها حين طالبت بمقعد في درجة البزنس مع أن مقامها الوزاري : الدرجة الأولى ، إلا أن تكون الطائرة المسافرة ليس بها مقاعد بالدرجة الأولى ، وهذا كثير الحدوث الآن ، ويحتل البزنس مكانها !
وليس هذا في رأيي من الوجاهة أو المنظرة ، ولكنه من حق وزيرة مشغولة بالشأن العام أن تحصل على مقعد أكثر اتساعا ومجاله أكثر هدوءا ، وأناقة مما يتيح لها أن تنظر في أوراقها ( أوراق الدولة ) وتجهز – أثناء الطيران – نقاط أساسية هي في حاجة إلى استعادتها ، وليس هذا بالممكن في مقاعد الدرجة السياحية الضيقة . وليس هذا من الممكن مع التجاور ( المزنوق ) براكب أو راكبين على الجانبين .
في خمسينيات القرن الماضي – وكانت الهند تبني أسس نهضتها ، وكان يحكمها أبوها وفيلسوفها ( جواهر لال نهرو ) فكر بعض الوزراء أن يركب أرخص سيارة في الهند توفيرا لبند الشراء ، ولكن نهرو رأى أن ارخص سيارة لن تكون الأكثر وفراً ، والأكثر أمانا ، والأكثر إتاحة للوزير أن يفتح حقيبة أوراقه ، ويدرس ما ينبغي عليه أن يديره بمجرد وصوله إلى مكتبه ، ولهذا رفض نهرو السيارة الرخيصة ، واشر بشراء السيارة المناسبة لمقام الوزير وأمانه وراحته ، وهذا حقه ما دمنا نطالب الوزير بأن يعمل ، وان ينتج .
معلوم أن الطائرة – أية طائرة – تصل أو لا تصل ، وتتساوى فيها جميع الدرجات وصولا أو عدما ، ولكن فرق الراحة والشعور بالطمأنينة في المكان هو حق غير منازع للوزير .
وأذكر حوارا قديما بيني وبين الأستاذ نجيب محفوظ ، فقد لاحظت – فيما لاحظت من لوازمه التصويرية والتعبيرية – أنه يحرص على أن يصف بنات البلد وسيدات الطبقة الشعبية يركبن العربة الكارو ، وإذ ينطلق الحصان على أنغام سنابكه وطرقعات كرباج العربجي ، تنطلق راكبات الكارو في الطبل والغناء ، وأحيانا – الرقص أيضا – فسألته : لماذا يحرص بنات الطبقة الشعبية على ركوب الكارو مع وجود الأتوبيس بأجرة ربما تكون أرخص ، فجاءت إجابته الحكيمة : الكارو تاكسي شعبي ، يحمل هؤلاء النسوة من الباب للباب ، فلا تنزل إحداهن إلا إذا كانت على باب الحارة ، وربما باب بيتها !!
!!ولله في خلقه شئون