الكلمة والمصطلح – 6 نوفمبر 2016
الكلمة والمصطلح
في علم الدلالة تختلف الكلمة عن المصطلح ( الذي هو بدوره كلمة ) في الدلالة ، فالمفردة العامة محددة بسياقها . أما المفردة المصطلح فإنها تكتنز الكثير من المعاني والدلالات التي تشملها في العرف اللغوي أو الاجتماعي .
أذكر أن فراش المدرسة الإلزامية في قريتنا حين زار دارنا منبهاً إلى أنني بلغتُ سن السادسة ويجب أن أتوجه إلى المدرسة في الأسبوع القادم ، كان هذا الفراش اسمه ” محمد الشهد ” وتصورنا في طفولتنا أن الشهد ليس مجرد اسم وإنما هو ” مصطلح ” يعني : فراش المدرسة ، لدرجة أننا – حين ينقل إلى مدرستنا فراش جديد كنا نتساءل عن اسم الشهد الجديد !!
ومن هذا الاستعمال الشائع ( الفاجع ) اسم ريا وسكينة المشهود لهما بالدموية وموت الضمير ، ولا يزال المصطلح يستخدم إلى اليوم .
وتلجأ الصحافة المصرية إلى هذا الضرب من الاستخدام المجازي في سياقات مختلفة ، وفيها تعوّل على ” فهم ” القارئ ومعرفته بأصل الاستخدام ، فتتحدث إلى اليوم عن ظهور ” تربيني ” جديد في إحدى مدن الصعيد ، ” والتوربيني ” الأصلي : مصطلح أطلق على ” بلطجي ” ظهر في محطة قطار بإحدى عواصم وسط الدلتا ، وكان من شأن هذا المجرم المتشرد أنه كان يلتقط أطفال الشوارع ويروضهم ويخضعهم بالاعتدال الجنسي عليهم ، ويوجههم إلى تحقيق أغراضه عن طريق السرقة أو التسول وما إلى ذلك ، فأصبح مصطلح ” التوربيني ” – الذي هو وصف لنوع من ماكينات القطار السريعة ، مصطلحا خاصا بهذا الصنف من الخارجين على القانون .
وعندما حدثت أزمة توظيف الأموال الأولى ، وكانت الشركة التي تديرها تطلق على نفسها اسم ” الريان ” – وهو خاص بأحد أبواب الجنة فيما تروي المأثورات – أصبح لفظ ” الريان ” مصطلحا يستخدم في وصف كل من يمارس لعبة المقامرة بأموال الناس ، مستغلا طمعهم في تجاوز نسب الربح المقبولة والمعقولة . وهكذا أباحت الصحف لنفسها أن تتحدث بين حين وآخر عن ” ريان جديد ” ظهر في مدينة كذا .. وهرب بأموال المودعين ، أو تم القبض عليه !!
وفي مرحلتنا وقد تجاوزنا مرحلة الريان ظهر ” المستريح ” وأصبح هذا اللفظ الذي يدل على اسم أو لقب لشخص أو لعائلة مصطلحاً يحمل ما كان يحمله مصطلح الريان في زمن سابق !!
وأذكر – بالمناسبة – أن أول ريان / مستريح صادنا نحن المصريين العاملين في دول الخليج ، إذ جاء إلينا مهندساً أنيقاً متحدثاً رافعا شعار : أولى شركات الانفتاح الاقتصادي ، وكانت شركة ملاحة . وبالفعل جمع من دولاراتنا في الكويت – أقصد دولاراتي ودولارات زوجتي – قدرا حذرا ، ولكنه ليس بالقليل . وربما طمأننا إليه أنه مثقف ، وأن له شريكا مؤسساً من أسرة سعودية عريقة ، من ثم غلب علينا الاطمئنان ، والمهم أنه اشترى بالفعل سفينة ركاب أطلق عليها اسم ابنته ( غادة ) وبدأت السفينة تعمل ، ثم توقفت فأفلست الشركة ، وصفيت ، فكان هذا المهندس أول ريان / مستريح على طريق النصب الاقتصادي باسم الانفتاح .
الطريف حقا في هذه الحادثة التي يمكن أن توصف – بالنسبة لي – بأنها شخصية أنني ظللت انتظر أي بيان من الجهة الرسمية التي قامت بتصفية الشركة ، وبأي مردود مالي يقلل من حجم الخسارة ، ولكن شيئا من هذا لم يحدث ، فترسبت في النفس طبقات من عدم الثقة في العمل الجماعي ، وفي الإشراف الحكومي كذلك !!