فنجان قهوة وسيجار .. 10 نوفمبر 2016

فنجان قهوة وسيجار .. 10 نوفمبر 2016

فنجان قهوة وسيجار ..
وحيداً كنت في مكتبي / مكتبتي ، تطلعت إلى الحركة وسطعت رائحة البن في خياشيمي . ذهبت فصنعت فنجان قهوة ( كبير نسبيا ) ، وجلست في الشرفة التي يعرفها المترددون على المكتب ، وهي في مستوى الشارع تقريبا تظللها أشجار ” الفوكس ” فلا يمر غير نسمة الخريف ، وشمسه الرحيمة . أشعلت سيجار أحضره ابني الدكتور البشير من الإمارات وهو ينافس سيجار تشرشل في زمانه . رشفت قطرات من الفنجان ، وتنفست التبغ الكوبي النقي ، وافترضت أن الرائحة الزكية قطعت الشارع أمام الشرفة . صدق حدسي ولكن الواقع تجاوزه إذ أقبلت نحو مجلسي سيدة أوروبية الملامح والمنظر ، فوقفت أمامي في مستوى مجلسي ، وقالت ببساطة معهودة في الغربيين : هل تأذن برشفة قهوة ونفس من هذا السيجار ؟ إن هذه الجلسة وهذا المزيج من الرائحة لا يقاوم !! لم أندهش للمفاجأة ولما ترتب عليها ، فلعلي عشت سوابق من هذا النوع وإن يكن في الغرب وليس في الوطن !!
عبرت ملامحي عن الترحيب بالموافقة ، وحملت الفنجان وأسلمته ليدها ومددت اليد الأخرى بالسيجار ، فأخذت رشفة ونفسا واحداً سريعا ، حسدت نفسي عليه ، ورحبت في ضميري بأن تستزيد ، ولكنها اكتفت بما نالت ، واستدارت منصرفة بعد أن شكرتني . غير أنني وجدت المشهد بهذه الصورة يُعد ناقصا أو مبتوراً ، وهنا وجدتني أقول لها : إذا شئت يمكن مشاركتي في هذه الجلسة لعدة دقائق .. ففي الداخل كرسي آخر يليق بكِ !! ابتسمت شاكرة وكأنها تزمع الاستمرار في طريقها ولكن كانت المفاجأة أنها استدارت متجهة إلى سلم الشرفة ، وصعدت الدرجات الثلاث فنهضت منبهراً وسحبت أقرب كرسي إلى يدي ووضعته على مقربة مني ، فجلست ببساطة شديدة وأسندت أمامها الحقيبة القماشية التي تتسوق فيها حاجاتها . وهنا كان لابد أن أستأذنها في صنع فنجان قهوة خاص بها ، فشكرت بعينيها واسترخت في مقعدها ، وكأنها تنوي إطالة الجلسة . من ثم اتجهت إلى الداخل وأشعلت ( السبرتاية ) لأصنع لها قهوتها ، وفي انتظار انضاج القهوة على نار السبرتاية الهادئة سرح الخيال : ماذا عسى أن يكون ، أن أقول لها ، أن أتوقع ما ستقول ، وبماذا أجيب ؟ وفي حين رتبت في خيالي جواب هذه التوقعات كانت القهوة ( فارت ) أو تكاد ، لكني أدركتها ( الحمد لله لا تزال تحتفظ بوشها) وحملت الفنجان متجها إلى الشرفة وهناك لم أجد السيدة الأوروبية ( الحسناء الناضجة ) وإنما وجدت الكرسي الوحيد الذي أجلس عليه ، والسيجار يتآكل على حافة المنفضة على حافة الشرفة .
انطلقت نظراتي تجوب الشارع . لم يكن فيه من أحد ، صحيح أن المرور في شارعنا قليل جدا ، ولكنه يتقاطر دون أن ينقطع ، فعجبت لهذا الفراغ المحلق !!
صففت الفنجان الجديد إلى جوار فنجاني ( الملآن ) وحاولت استعادة ملامح المشهد الذي عشته منذ دقائق :
هل كان حقيقة ، فأين ذهبت السيدة الأوروبية بهذه السرعة بعد أن كانت استجابتها علامة توافق وتقارب !؟
أم كان خيالا ووهما ، فإن كان كذلك : إلى أين تقودنا منابعه ؟! هل إلى توق الشيخوخة إلى الأنس والبحث عن ( صديق موافق ) فتكون القهوة والسيجار علامة رمزية على هذا الحنين إلى السكينة والجمال ؟ أم تقودنا المنابع إلى الشغف القديم ( جدا ) إلى الكتابة الفنية والفرح باكتشاف مشهد قصصي تطيب به النفس ، كما تطيب به نفوس القراء ؟!

اترك تعليقاً