هامش ثقافي .. 13 نوفمبر 2016
هامش ثقافي ..
لا أفضل وصف أية ظاهرة أو نشاط بأنه يجتاز ” أزمة ” ، لأن وصف الأزمة أصبح مبتذلا ولا يدل على نواقص محددة ، وربما قرأت اليوم في إحدى الصحف كلاما يتصل بوزارة الثقافة أو وزير الثقافة في عصر سابق ، ولست من ( هواة ) التعليق على أقوال الصحف أو تصيد سقطات المحررين ، ولكن شأن الثقافة بالنسبة لي مختلف ، لأنني متصل بها اتصالا عضويا استهلك عمري كله ، فليس مستغربا أن يستفزني إعجاب ذلك الصحفي بوزير ثقافة الجزائر لأنه شاعر ألقى بعضا من قصائده ، ووزير ثقافة تونس لأنه عازف على العود ، صاحب الشاعر بأنغامه حين إلقاء قصائده !!
من حق كاتب الصحيفة أن يعجب بذلك من باب الاستطراف والغرابة ، ولكن ليس من باب الكفاية المهنية والقدرة السياسية ، فلهذه – وهي المهمة الأولى للوزير ، أي وزير – أهم مقومات استحقاقه لمنصبه ، لكن صاحبنا امتد بإعجابه إلى وزير ثقافة مصري سابق كان رساماً يقيم معرضا للوحاته كل عام ، ولست في استطاعة الحكم على مقدرته الفنية ، ولكنني عاينت وعانيت من خلل السياسة الثقافية طوال وزارته الممتدة إلى ربع قرن ، وهذا الامتداد في ذاته كارثة ، حتى لو كان وزيرا ناجحاً ، لأنه يعني ثبات النمط ، وجمود التصور ، ومحدودية الرغبة في التغيير والعجز عن قراءة مطالب المستقبل .
وقد ذكر صاحبنا ( الصحفي ) وصفا مجازيا متداولا ، لكنه في هذه الحالة وصفٌ واقعي تماما ، إذ يقول : إن ذلك الوزير المصري السابق ترك خلفه فراغا كبيراً !! ، وهذا حقيقي ، وماذا ننتظر من وزير يقبع في كرسيه مطمئنا على تواصله مع أصحاب القرار مدة ربع قرن دون أن يعطي ” الثقافة ” حق الصدارة في اهتماماته ، وفي أجهزته المعاونة ، وفي خططه التي لم يكن لها وجود !!
إلى صاحبنا الصحفي المتحسر : لا تفرض معلوماتك السطحية ، وخبرتك المعدومة ، أو رغبتك في مجاملة لأسباب لا نعرفها ، أو لأنك لم تجد ما تكتبه لتملأ عمودك بأي كلام .. لا تفرض ذلك على قارئك ، فربما كان له قول آخر لم تفطن إليه ، ولعلمك فإن الخبرة بالفنون ليست شرطا للحصول على وزير ثقافة ناجح ، وقد كانت وزيرة الداخلية في انجلترا سيدة ، وكانت وزيرة الدفاع في فرنسا سيدة كذلك ، وكانت تستعرض القوة البحرية الفرنسية وهي حامل متكورة البطن !! لمثلك من يضحك لهذه المعلومة ، ولكن من يملكون الخبرة بأصول السياسة ، ومطالب العمل في الإطار الوزاري لهم آراء أخرى تناقض أن تفرح لوزير رسام ، أو عازف أو حتى شاعر ، فلو صدق هذا لكنا أجلسنا توفيق الحكيم أو نجيب محفوظ في كرسي الوزارة ، وكان أحق من ذلك الرسام الذي تتغنى بأيامه .
أذكر أنني حين كنت منغمسا في أنشطة الهيئة العامة لقصور الثقافة ، وكنا نعد محاور ودراسات ونعقد ندوات ومؤتمرات في العواصم الإقليمية ، كانت تحملنا ( باصات الهيئة ) إلى مقر المؤتمر الإقليمي ، ومعنا بعض من الصحفيين وأدباء المتابعة ذات العلاقة ، وفي العاصمة الإقليمية – بعد جلسة الافتتاح – نكتشف أننا وحدنا نخاطب أنفسنا ، نحن القادمين من القاهرة ، إذ لا نجد أن مدير قصر الثقافة قد بذل أي جهد يذكر لتفعيل وجود القصر في موقعه ، وتأكيد علاقته بالإقليم ، كالاتصال بالجامعة وبالمدارس والمعاهد والجمعيات المدنية .. إلخ ، فكان هذا أمرا محزنا بالنسبة لي ، ونبهت إليه مراراً ، ولكن – مع الأسف – لا حياة لمن تنادي ، فلم يلتفت وزير ، ولم يتابع رئيس الهيئة ، ولم يقلق مدير قصر الثقافة في أية مدينة ، من يومها – وفيما أحسب – إلى الآن !!