وللأغاني .. أحكام – 22 نوفمبر 2016

وللأغاني .. أحكام – 22 نوفمبر 2016

وللأغاني .. أحكام
تتردد أغنية ( ست الحبايب ) التي تغنيها فايزة أحمد بين حين وآخر ، وتزداد الوتيرة مع استهلال شهر مارس ( عيد الأم ) وحين أسمعها أترحم على فايزة ، واحتسب عند الله ثوابها الذي لابد أن تناله – بحكم العدل الإلهي – إذ كانت بأغنيتها سببا مباشرا في تنبيه ملايين القلوب لمقام الأم وواجبها ، والسعي إليها فيما لو كانت حدثت قطيعة بين الأبناء والأمهات ، وهذا الشعور الذي أعتقده يعتمد على معنى حديث شريف مؤاده أن من قال كلمة طيبة كان له ثوابها وثواب من عمل بها إلى يوم القيامة . فهل كان صوت فايزة – صادق اللهجة ، عميق النبرة – سببا مباشراً لإصلاح ملايين القلوب النافرة لسبب أو لآخر ؟!
وأذكر – من بين مقتنيات الذاكرة – أن النقراشي باشا ذهب إلى هيئة الأمم ليندد بحكم الإنجليز لمصر ، ويطالبهم بالوفاء بوعود الجلاء . كنت في الثالثة عشرة من العمر (1947) معجبا شديدا الإعجاب ( تبعا لأبي وأخي الأكبر ) بالنقراشي باشا ، وبأنه اقتحم هيئة الأمم وخاطب الإنجليز من فوق منبرها أمام العالم قائلا لهم : اخرجوا من بلادنا أيها القراصنة !! وفي ذلك الحين اختارت أم كلثوم أبياتا من قصيدة لشوقي كتبها عام (1924) بمناسبة نجاة سعد زغلول من حادث إطلاق الرصاص عليه من شاب وطني متهوس في محطة مصر ( محطة القطار بالقاهرة ) ، إذ كان سعد متوجها إلى بريطانيا عن طريق الإسكندرية لمفاوضة الإنجليز في بلادهم . وفي سياق هذه القصيدة ، وما غنته منها أم كلثوم مما يتعلق بالسودان خاصة ، وعلاقة مصر به ، هذه الأبيات :
فمصر الرياض وسودانهـــا .. عيون الريـــاض وخلجانُها
وما هـــــــو مــــاءٌ ولكنــــه.. وريد الحــياة وشـــــريانُها
تتمم مصــــــر ينابيعــــــه .. كما تمم العيـــــن إنسانُها
وأهلوه منذ جــــرى مـاؤه ..  عشيرة مصـــر وجيــرانُها
لقد استوعبت ذاكرة الصبي هذه الأبيات يتلوها إلى اليوم ، وفي حينها شدته عبارة : أن السودان عشيرة مصر !! والعشيرة هم الأهل والأقربون والعزوة والنصرة ، والسودان – في ضميري وقلبي ، مثل كل المصريين – هي كل ذلك إلى اليوم ، وهذا فضل شوقي ، ثم أم كلثوم التي أوصلت هذه المعاني الرائعة لصبي في الثالثة عشرة .
أذكر – في مشهد قريب – أنني كنت أركب عربة تاكسي وتبادلت الحديث مع السائق حول هذه الأقوال الشائعة حول الغناء وأثره في تكوين الوجدان ، فعبر – بكل بساطته وبراءته – عن مشهد عاشه بالتخيل منذ زمن قريب ، قال سائق التاكسي : خرجت أنا وزوجتي بهذا التاكسي نتفسح وحدنا ، وفتحت راديو السيارة فكانت شادية تغني لرشدي أباظة تلك الأغنية التي رددتها له في فيلم ( الزوجة 13) في طريقهما من الإسكندرية إلى القاهرة ، ومن هذه الأغنية ” ونقوم وننام على حب ف حب ” ويضيف السائق : لقد تخيلت نفسي رشدي أباظة وتخيلت أن زوجتي تحولت إلى شادية ، مما ضاعف حضورها في مشاعري ، فكان أن اختصرنا جولتنا وعدنا إلى بيتنا لنحقق تلك المعاني التي رددتها الأغنية !
إن درجة عالية من الوفاق النفسي والتكامل الروحي قد تحقق بفعل أغنية لم يكن هذا من مقاصدها ، ولكنها أدت رسالة راقية في إطار الفن الصافي الملهم مهما ظننا فيه الظنون !!

اترك تعليقاً