باندورا – 1 ديسمبر 2016
باندورا
هذه المفردة البريئة تستدعي دلالات ومواقف وتواريخ أسطورية وواقعية ..
يعرف المصريون الباندورا ( في المدن خاصة ) بأنها : الطماطم ، فنداء البائع عن الباندورا نوع من التدليل والارتفاع بقيمة الطماطم التي توصف عادة بـأنها ( مجنونة ) ، ولكن تداعيات الكلمة تذهب في الزمان والمكان والأحداث .
فأول ( باندورا ) هو اسم واحدة من آلهة الميثولوجيا الإغريقية في عصرها الأسطوري ، وهي ابنة الإله زيوس ، ومعناها : المرأة التي مُنحت كل شيء ، وقد أهدتها الآلهة اليونانية بمناسبة زواجها صندوق هدايا نُسب إليها ( صندوق باندورا ) فيه من كل الهدايا والطرائف . مع توصية بألا تفتح هذا الصندوق على الإطلاق ، ولكن باندورا استولت عليها شهية حب الاستطلاع ، ولعلها وثقت في نفسها ، وأن باستطاعتها أن تلقي نظرة على محتوى الصندوق دون أن تفقد شيئا مما فيه ، ولكنها ما كادت تفعل حتى طارت كل الكائنات بداخله ، وهذه الكائنات شرور وآفات الإنسانية ، وبذلك كانت حركة باندورا سببا في انتشار الشر والآثام بين البشر ، ولكنها – وهذه بقية الأسطورة – استطاعت أن تسارع بإغلاق الصندوق على واحد فقط مما كان فيه ، وكان هذا الشيء الباقي هو : الأمل .
هنا يأتي تفسير الأسطورة متسعا للتناقض ، فيرى التفسير المتفائل أنه إذا كانت الشرور قد انتشرت بين البشر ، فقد بقي في الصندوق معادل طيب نعقد عليه رغبة النجاة وهو : الأمل . أما التفسير المتشائم للأسطورة فيرى أن الأمل بذاته آفة من الآفات ولهذا كان في الصندوق ، وعلى الإنسان أن يتخلص من كل أمل في الدنيا كي يستطيع الحياة المريحة بها ، وربما أخذ الصوفية بهذا المعنى ، فردده أبو العتاهية في مطلع إحدى قصائده ، فقال مخاطبا الدنيا :
قطعــــت منـــــك حبـــائل الآمال .. وحططت عن ظهر المطي رحاليّ
ويئست أن أبقى لشـيء نلت فيـ .. كِ يا دنيـــــا ، وان يبقــــــــى لي
فوجدت برد اليأس بين جوانحــي .. وأرحت من حِلي ومــــن ترحالي
وهكذا التقى معنى الأمل عند الشاعر العربي الإسلامي بمعنى الأمل في أحد تفسيرات الأسطورة الإغريقية .
توصف الباندورا = الطماطم في مصر بأنها مجنونة ليس لحمرتها ونعومتها ، وإنما للتفاوت المتجاوز والفجائي في سعرها .
وعند الزراعيين أن الباندورا ( الطماطم ) تنتمي إلى عائلة سامة وقاتلة فيما عدا هذه الثمرة التي يمكن أن تحقق للجسد صحته ، متحدية أصولها العائلية القاتلة !!
من آخر ذكريات الباندورا أن أهل لبنان ينطقونها بفتح النون ( بانادورا ) أما أهل فلسطين فينطقونها مثلنا في مصر بسكون النون ( باندورا ) وقد استُخدم هذا الفرق الصوتي أثناء الحرب اللبنانية الأهلية كمرشد للقتل على الهوية بين أهل لبنان والفلسطينيين في تل الزعتر وما حوله ، فكانت الكمائن المتحركة تفاجئ عابرا بالطريق وتخرج له ” ثمرة طماطم ” . وتسأله سؤالا محددا : ما هذه ؟ فيتطلع العابر الحائر في وجوه قاطعي طريقه ، وقد لا يرى فرقا بين السحنة اللبنانية والسحنة الفلسطينية ، وبذلك لا يستدل على هوية قاطعي طريقه ، وهكذا يستسلم لظنه أو لمنطق المصادفة ، فيذكر الكلمة بأحد النطقين ، وبهذا يتحدد موته أو حياته . هل قال بانادورا أم قال باندورا ، وهل وافق ذلك انتماء قاطع الطريق أم خالفه !!
كم في زماننا من المضحكات الداميات !!