علامة – 14 يناير 2017

علامة – 14 يناير 2017

علامة ..
السائر في طريق طويل يرى امتداده فيما طوى ، ولا يعرف متى تحل نهايته ، ولكنه يستشعر قرب النهاية ، لابد أن تفطن عينه للعلامات المنصوبة على جانب هذا الطريق . اليوم ينتهي عام ، وغداً يبدأ عام جديد من العمر ، وإذا كنت أعرف أن العام المنقضي هو الثاني والثمانين ، فإنني لا أستطيع أن أخمن المسافة الباقية ، ولكن من المؤكد أن الرصيد قد نفد أو كاد !
الرسول – عليه السلام – توفي عن أربعة وستين عاما هجرية ، وتوفي شقيقي الدكتور عبدالله في مثل هذه السن على التاريخ الميلادي ، وربما استحيت أن يطول عمري بعد عمر الرسول ، ولكن هكذا شاء الله . وتوفي أبي في سن الثالثة والسبعين ، وبالمثل توفي شقيقي الأكبر إبراهيم . وهكذا حين فاتني أن أرحل في مثل سن الرسول عليه السلام تعلقت بأن أرحل في سن أبي وأخي الأكبر ، ولكني تجاوزتهما ، ولم أكن مستريحا لهذا التجاوز ، والآن قد وصلنا لمثل عمر سيدنا عثمان بن عفان الذي توفي في الثالثة والثمانين ، ولعل القدر الباقي يدخل بنا في هذه الدائرة ( العثمانية ) وإن كنت أشد تعلقا الدائرة ( العلوية ) التي كرم الله وجهها !
إننا لا نختار أعمارنا ، ولا يحق لنا تمني الموت ، ولكن الشخصية السوية – وأرجو أن أكون صاحب نصيب فيها – تظل واقفة على قدميها مهما طال بها العمر ، والوقوف هنا يعني التفاعل ، والقدرة على العمل والإنجاز المنظم ، وهو ما لم أنكص عنه – بحمد الله إلى اليوم ، وإلى الغد ؛ إلى أن يشاء الله .
ومع يقيني بقرب الرحيل فإنني – من حيث المبدأ – لست منزعجا ، ولا متهيبا ، ولا حزينا لفراق الحياة ، وإن كان فراق الأبناء – مهما طال العمر – يختلف ، ولا يزال بين يدي مشروعات تأليف تحتاج خمس سنوات على الأقل ، وأتطلع إلى إعادة نشر ما أراه مهما من مؤلفاتي السابقة ، التي بلغت ( 61 ) كتابا ، آخرها في المطبعة بعنوان : ( منافذ إلى الماضي المستمر – دراسات من القلق الثقافي ) الذي آمل أن يلحق بقطار معرض الكتاب الذي يستهل بعد أسبوعين من الآن .
تراني تحدثت عن الراهن والمستقبل أكثر مما تحدثت عن الماضي ، وليس هذا من قبيل مخادعة النفس ، فالماضي هو الحقيقة ، وهو المنجز ، وهو الشاهد ، ولكنه شاهد عفيف اللسان ، فلا يتكلم إلا بين يدي من يسعى إليه ، ويحاول أن يخاطبه بالتقدير الذي يستحقه !!
معنى هذا الكلام ( المرسل ) أنني – ودون أن أعبر عن أسف أو ألم أو حزن لا مكان له – أشعر بأن جملة مؤلفاتي لم تنل حقها من الانتشار والعناية الفكرية في التعامل معها ، ربما باستثناء ثلاثة كتب طبعتها سلسلة ” عالم المعرفة ” الكويتية ، التي طبعت من ” الحب في التراث العربي ” خمسين ألف نسخة ، كما هو مدون على غلافها الأخير . لم تبق منها نسخة واحدة بعد شهر واحد من النشر ، وكتاب ” الريف في الرواية العربية ” وقد طبعت منه السلسلة أربعين ألف نسخة في حوزتي منها نسختان وليس أكثر . أما الكتاب الثالث فهو بعنوان ” الكويت والتنمية الثقافية العربية ” ألفته إبان الأزمة الصدامية في غزو الكويت مبينا جوانب الرسالة الثقافية والحضارية التي تحملها مؤسسات الكويت في أنحاء العالم العربي والإفريقي والآسيوي ، وقد طُبع هذا الكتاب لحساب السلسلة في مطابع الأهرام بالقاهرة وكتب مقدمته الدكتور الفيلسوف فؤاد زكريا ، وإني لأرجو أن تكون شهادته لكتابي صادقة ، ولا أحسبها إلا كذلك ..
وهذه الكتب الثلاثة مسبوقة كما أنه تبعها نشاط لم يتوقف .. ولن يتوقف إلا حين تتوقف أنفاس الكائن الحي !!

اترك تعليقاً