تداعيات أول مؤتمر .. 24 يناير 2017

تداعيات أول مؤتمر .. 24 يناير 2017

تداعيات أول مؤتمر ..
وأول مؤتمر أدبي عام حضرته كان في ديسمبر 1957 ، كنت طالبا بالسنة الأولى بكلية دار العلوم ، وكان المؤتمر المنعقد في قصر الأمير محمد علي ( المعروف سياحيا الآن بقصر المنيل ) هو مؤتمر الأدباء العرب الثاني ، وكان المؤتمر الأول منعقدا في بلودان بسورية ، في حين عُقد الثالث في الكويت ، واستمرت دورات الانعقاد بإيقاع ثابت ( كل عامين ) وأحسب أن هذا قد استمر حتى حدثت النكسة ، فكانت نكسة شاملة ، ولم يفكر أحد – حتى بعد تصحيح العثرة – في استعادة مؤتمر الأدباء العرب ، فكأن الخلافات السياسية العربية وصل التسوس فيها إلى نخاع الأمة : فكرها ، وفنها ، ولا قوة إلا بالله .
حضرت جميع ندوات المؤتمر في القاعة الذهبية بتذكرة دعوة سعيت إلى الحصول عليها دون مشقة ، ورأيت – لأول مرة طه حسين رئيس الوفد المصري ، ورئيس المؤتمر ، وهو يفتتح كلمته بإيمانه بالأمة العربية ، وثقته في تاريخ أمجادها وعظمتها ، وتقديره لإبداعها الإنساني بدءا من ” امرئ القيس ” وإلى يومه ذاك !! وحين نطق عميد الأدب باسم أول الشعراء الكبار في تاريخ العربية ، مقدرا إبداعه الشعري ، وقفت القاعة المترامية على أقدامها ، وظلت تصفق لطه حسين أكثر من ثلاث دقائق ! لم أفهم للوهلة الأولى سر هذه الحفاوة لكلمة تبدو بالنسبة لي مفهومة ، ولكن كان هناك ( فهم أعمق ) !! فطه حسين هو الذي أنكر – بدرجة ما – وجود امرئ القيس ، أو على الأقل : أعلن الشك في ما ينسب إليه من شعر رصين لا يحمل قلق البدايات ( حسب قوانين التطور ) وكان ذلك في كتابه : في الشعر الجاهلي (1927) الذي وجد الكثير من الرفض وأثار الكثير من الحماسة ، فتحفظ هو علي بعض مطلقاته بكتابه التالي ( في الأدب الجاهلي ) من ثم كانت حماسة المؤتمر لعودة العميد إلى حظيرة تراث أمته العربية ، كما وصل إلينا عبر العصور .
في هذا المؤتمر الأول الذي أحضره ، وكانت شخصية المؤتمر ( الأيقونة ) أمير الشعراء أحمد شوقي ، وقد افتتح الحديث عن شعر شوقي المفكر المثقف الأستاذ عباس محمود العقاد ، الذي أكمل في عرضه لشعرية شوقي ما كان بدأه قبل ذلك بثلاثين عاما أو تزيد في كتابه ” الديوان ” – في نقد الشعر ، وفيه تحامل على شعر شوقي ، وشخصه ، مع تحيزه ضده في انتقاء نماذج من شعره لينقدها وينقضها ، إذ جاءت الاختيارات جميعا من قصائد الرثاء !! فاختيار العينة هنا مغرض ومنحاز ضد شوقي ، لما نعرف من زهد الشعراء في المراثي عموما ، ومحدودية الخيال الشعري في تصور الموت أو النهاية .. إلخ . ولم يعجبني حديث العقاد بالطبع ، بل ربما بدا لي حديث يوسف السباعي الذي افتتح المؤتمر بكلمة المجلس الأعلى للفنون والآداب منظمة المؤتمر – أكثر كياسة ورعاية للمناسبة من حديث العقاد .
زلت قدمي ، ولم تكن لي دراية بمداخلات الندوات ، ولكنني كنت طالبا نشطا فكتبت هذا الذي سبق بإحدى مجلات الحائط بالكلية !! وما كادت مقالتي ( الهزيلة ) تظهر حتى هاج عش الدبابير من تلاميذ العقاد ، لا أعرف أين كانوا ولا لماذا هبوا ضدي ، وسلقوني بألسنة حداد لم تترك معنى مهينا يمكن إلحاقه بي شخصيا ، وبما كتبته أيضا حتى أوردته ( وبروزته ) في مجلات الحائط المنتشرة على جدار مدرج علي مبارك المترامي !!
منذ ذلك اليوم البعيد ، أحسبني تعلمت أشياء جيدة ، فقد استوعبت كيف تجري أحداث مؤتمر ، وكيف تدور حواراته وتجري مداخلاته ، وتتحرك كواليسه ، وتصدر توصياته .. بمجرد المشاهدة من بعيد . أما ( علقة العقاد ) التي نلتها من تلاميذه فقد أدركت أن الحية لا تلد إلا حية ، وأنني ينبغي أن أفكر أكثر من مرة قبل أن أضع اسمي تحت أي كلام !!

اترك تعليقاً