مدرسة جوائز الدولة الإلزامية – 29 يناير 2017
مدرسة جوائز الدولة الإلزامية
” غُلبت أصالح في روحي ” – والصيغة من عند رامي – لأتجنب الحديث عن جوائز الدولة الإلزامية ، الشهيرة جوائز الدولة السنوية التي تمنحها لمستويات من الإبداع الفكري والفني والعلمي والأدبي . ومحاولة تجنب الحديث في الموضوع تحمل معنى اليأس من إمكان الإصلاح أكثر مما تحمل من معنى الترفع عن الشبهة ، وهو حادث كذلك .
فليس مصادفة ، ولا يمكن أن تكون ، أن تشتعل نارٌ ويتصاعد دخانٌ كثير أعقاب كل إعلان سنوي عن جوائز الدولة بمستوياتها ، وبخاصة جوائز الدولة التقديرية .
أما الوصف بـ ” الإلزامية ” فقد استعرته من أول مدرسة في قريتي علمتني الكتابة والحساب ، وقراءة القرآن – كانت اللافتة التي تعتلي مبنى المدرسة الممتد مع اتجاه الشمس تحمل هذه العبارة : ” مدرسة تمي الأمديد الإلزامية ” !! وكان ” الإلزام ” يعبر عن موقف الدولة ( ممثلة في وزارة المعارف العمومية ) بأن تعلم كل طفل مصري بلغ السابعة في هذا النسق الدراسي لمدة أربع سنوات . وقد تعلمتها وأسست في وجداني وعقلي كل ما أعتز به وأحافظ عليه ، وأباهي بامتلاكه من تجارب الثقافة .
أما امتداد التسمية في العنوان الذي اخترناه فإنه يعبر عن التزام آخر ، نرى آثاره السلبية تعلن عن نفسها بضجيج مزعج لا ينتهي إلى طحن كلما أعلنت وزارة الثقافة عن نتيجة مداولاتها وما أسفرت عنه من فوز الفائزين بجوائزها .
نتساءل : لماذا الجوائز ؟ ولا أعتقد أن القصد من منح أية جائزة أن تكون بمثابة معونة مادية لمن يحصل عليها لتساعده على مواجهة مصاعب الحياة ، ولا أن يكون القصد محاباة من يلوذ من المبدعين بأهل النفوذ الثقافي والوجاهة الإعلامية التي اكتسبوها بالحلول ( الطويل ) في مقاعد اتخاذ القرار ، وهو ما جرى العرف العام على استهجانه بأن أطلق عليه ( الشللية ) و ( مثقفي الحظيرة ) الذين ساقهم وزير إليها عبر بياته الشتوي في الوزارة أكثر من عشرين عاما !!
إن هذه النزعة مدمرة ، وضد الإبداع في جوهرها ، فكم أحبطت من ” جذوات ” كامنة ، وأفسدت تطلعات بريئة حالمة بالعدل ، واثقة بمن لم نجرب الوثوق بهم إلا وانتكسوا بالمعنى ، وعبثوا بالقيمة من مسئولي أجهزة الثقافة !!
يُفترض .. يفترض – وكم من افتراض برئ تُكتم أنفاسه بأيدي الشللية وزبائن الحظيرة كل عام .. يفترض أن ” الجوائز ” الحقيقية أن تكون كشفا عن مواهب دفينة لم تتح لها فرصة الإعلان عن نفسها ، وبذلك يكون دور لجان التقويم الأولية : البحث عن الجيد الذي غفلت عنه العيون ، وعجز صاحبه عن إبرازه للعيان . هذا بشأن المستوى الأول ( الجوائز التشجيعية ) ولكن واقع هذه الجوائز التعسة ، أن واحداً ممن يدورون في الفلك ( فلك الأجهزة ) أو يملكون القدرة على ” الشوشرة ” يؤلف كتابا في موضوع ما ، ويتطلع إلى الجائزة ، فيتصل بأهل الحل والعقد من أصحاب التوقيعات ، ومن ثم تفصّل شروط الجائزة بحيث تتوافق مع هذا العمل الجاهز ، لتسقط في حجر الموعود المخوف عليه أو المخوف منه !!
أما الجوائز الأعلى فمصيبتها أعلى !! فإنها تُمنح بالدافعين اللذين أشرنا إليهما في مطلع هذا الكلام : المعونة المادية ، أو البهرجة الدعائية ، وفيما عدا ذلك – وهذا ليس أقل سوءاً – تُمنح الجوائز الأعلى بالأقدمية ، فمن حصل على الجائزة التقديرية منذ عدة أعوام هو مستحق هذا العام لجائزة أعلى قد تحمل اسم ” النيل ” أو ما لا أدري من الأسماء ، دون أن يكون سيادة المرشح للدرجة الأعلى قد أضاف إبداعا فكريا أو فنيا أو علميا يستدعي إعادة تقدير نشاطه . وهكذا تظل ” الأقدمية ” تراثا فاعلا في العقل المصري ، فتوصله – كل مرة – إلى حيث لا ندري !!