غير أني لم أجرؤ ! – 5 فبراير 2017

غير أني لم أجرؤ ! – 5 فبراير 2017

غير أني لم أجرؤ !
في قرارة العقل الإنساني – كما فطره الله سبحانه – سعي تلقائي إلى ” الحقيقة ” ، قد تكون هذه الحقيقة ” نسبية ” – محكومة بإمكانات الواقع ، وقد تكون ” مطلقة ” محكومة بالفكر والتأمل الفلسفي ، وهذا العقل الفطري يتكون بتراكمات معرفية وتجارب ونجاحات وانهزامات تظل في ” عرض مستمر ” لا يصل إلى الغاية ، بما يعني أنه فُطر على التطلع والبحث والتجريب ، فإذا تخلى عن ذلك فإنه يكون قد تخلى عن جوهر وجوده وعماد وظائفه .
من قبل ( عام 2006) نشرت الكتاب رقم (52) من بين مؤلفاتي ، وكان عنوانه : ” أهمية أن نعرف ” وتمنيت لو أن ما أرمي إليه من العنوان قد بلغ غايته بأن يصبح : أهمية أن نعرف كل الحقيقة ، وهذه الجملة – على أية حال – مذكورة في سياق أحد بحوث هذا الكتاب . وقد طورت – من منظور السعي إلى التكامل ، ولا أقول الكمال – محتوى هذا الكتاب ، وأضفت إليه دراسات أخرى ، وغيرت العنوان إلى : ” منافذ إلى الماضي المستمر : دراسات من القلق الثقافي ” وهو على وشك الصدور – وقد يتحدث النقاد عن سلطة الشعر ، ولعلي لا أوافق على هذا المصطلح ، لأن السلطة الحقيقية – فيما أتصور – هي سلطة المعرفة ، فمن يعرف ليس كمن لا يعرف !! والذي يقصر عن جهل في المعرفة ، يختلف كثيرا عن من ينحرف بمعرفته ويعمل بضدها عامدا ليحقق مكاسب وقتية لذاته ، متجاهلا حقوقا أخرى هي من حق العمل العام ، والفكر العام الذي يعيش حقيقته بتلقائية العمل ، وتدفق روافد الفكر من جوانب حياته المشغولة ، والمشغوفة بمطالب الحياة الماثلة .
في ورقة سابقة من محتويات هذه الجرة عتبت على نفسي وعلى الآخرين وعلى المجتمع جملة ، بأنه لا يجرؤ ، أو لا يريد أو يتهرب من قول الحقيقة ، بأن ينقد أو ينقض تجنبا لتهمة المنافسة والحسد ، والجنوح السوداوي بالحط من شأن الآخرين ، ولهذا يؤثر كثير منا الصمت على مشاهدات المعايب وأنواع الجنوح ، وحتى فنون الاستغلال للسلطة ، والاستئثار بالمال العام .. إلخ . وكذلك تجنب إبداء هذه الآراء الناقدة أو الناقضة لبعض الراحلين من أصحاب الجنوح – وما أكثرهم – حتى نتفادى رفع شعار : اذكروا محاسن موتاكم !! ويعلم الله أنه لو كان لهذا الصنف من البشر بعض المحاسن لكنا أول المنوهين عنها .
لقد تملكتني رغبة ( خيرة أو شريرة – لست أدري ) !! في أن أجرب حظي في ذكر بعض الانتقادات أو السلوكيات التي حملت في أطوائها إدانة لبعض من عرفت من الشخصيات ، ومع ذلك ترددت كثيراً ، كما أنني بذلت جهداً في اتجاه ” استخلاص المعنى ” ، والمغزى ، أو الدرس المستفاد دون ذكر أسماء صريحة ، أو صفات دالة . أما ” معرفة كل الحقيقة ” التي تمنيت أن أملك القدرة على أدائها ، فإنني – في اللحظة الحاسمة – غير أني لم أجرؤ على ذلك ، ويمكنك أن تفكر ، منفرداً ، وبهدوء : من أين يتسرب إلينا الخلل في ميزان الشجاعة ، شجاعة أن نقول كل الحقيقة ؟ هل من تكوين الشخص نفسه ، أم لعدم ثقته ( المطلقة ) في المتلقي ، أم لسوء ظنه في التصنيف الاجتماعي لمن يحاول أن يفضي بكل الحقيقة ، حتى لو كانت ” نسبية ” – كما يراها .

اترك تعليقاً