وحيد سعودي !! – 20 فبراير2017
وحيد سعودي .. !!
هل تذكر هذا الاسم ؟ لا أظنك بلغت محطة النسيان . إذا كنت مثلي تستمع إلي صوته صباح كل يوم قُبيل الثامنة صباحا ، ثم بعد ذلك الوقت بنصف ساعة ، يصف حالة الجو بصوت ممتلئ محبب ، ووضوح علمي ، ودقة رقمية ، وأيضا بكثير من التوجه نحو التوعية : توعية المواطن ، وخاصة الأمهات – بحالة الجو ، وإعداد الطفل لمواجهة الجو المتقلب في الخارج . هذا هو وحيد سعودي – دون ألقاب تجميلية أو وظيفية – قد أصبح – لعدة سنوات إحدى علامات إذاعة البرنامج العام ( القاهرة ) في التعريف بالجو ، وتقلباته ، وما أكثرها ، وما أحوجنا إلى الوعي بها وتنشيط الذاكرة تجاهها !!
سأترك هذه البداية ، وأبدأ من جديد مع جماعة ( إخوان الصفاء ) – تلك الجماعة التي توصف عادة في المصادر العربية – التاريخية والفلسفية – بأنها جماعة سرية لا تعرف أسماء أعضائها على التحديد ، ” وتتكرم ” هذه المصادر العربية عادة ، والإسلامية قطعا بوصف جماعة إخوان الصفاء ، بأنها جماعة سرية تدعي التفلسف ، ولكنها تهدف في النهاية إلى الترويج للإلحاد والزندقة !! أما ما يقدم عن تلك الجماعة من الرسائل الفلسفية فإننا لا نجد فيه زندقة ، أو إلحاداً بقدر ما نجد من دعوة لإعمال العقل ، والاهتمام بالنظر والنظرية ، كما تحرض على الخروج من دائرة المأثور الذي نتلقاه دون أن نخضعه لأية اختبارات تجريبية عملية أو عقلية تعتمد على القياس . إن ” رسائل إخوان الصفاء ” فيها الكثير من الفن الممتع الذي يتجاوز قضايا العقيدة الغيبية وما يثار من قضايا العقل والقياس .. إلخ . وهذا النوع من الرسائل جدير به أن يلتفت إليه دارسو الأدب والفكر ، فضلا عن تطور العقل العربي واستخدام الرموز والأمثولات في التصوير الأدبي . من هذه الرسائل رسالة عنوانها : ” تداعي الحيوان على الإنسان أمام محكمة الجان ” – وقد قرأتها في طبعة حديثة محققة منشورة في بيروت منذ نصف قرن ، وبعد قراءتها بعشرين عاما حولت حكايتها إلى مسلسل تلفزيوني موجه إلى الصبيان ( والصبيات بالطبع ) في 30 حلقة أعدُها – على مسؤوليتي – ناجحة ومؤثرة فنيا وتربويا ، ولكنني لم أبذل الجهد الكافي في اتجاه البحث عن منتج يتبنى إظهارها للمشاهد ما بين سن العاشرة ، والسابعة عشرة وهي الشريحة التي كتبت لها هذا المسلسل .
من دروس هذه الحكاية لإخوان الصفاء أن جماعات الحيوان حين قررت اختيار مندوبين لتمثيلها أمام القاضي ( الجني ) ليدافع عنها ضد الإنسان – اتجهت كل جماعة إلى اختيار ملكها !! وهذا بمنطقنا البشري طبيعي ، بل هو الطبيعي دائما ، ولكن الملك ( الحيوان أو الطير ) كان يختار غيره ، إذ يجده الأقدر على أداء المرافعة ، وتلمس القبول عند الخصم ( الإنسان ) فاختار الأسد أن يمثل فصيلته من الوحوش : كليلة ودمنة وهما من فصيلة ” ابن أوى” لأنهما – كما عبر الأسد – قريبان إلى الإنسان وقد استخدمهما في كليلة ودمنة ! – أما النسر – ملك الطيور الجارحة – فقد اختار البلبل لأنه الأفصح والأجمل ، ومن ثم فإنه الأليق للتحدث باسم الطيور الجارحة !!
سأحاول أن أجمع بين طرفي هذه ( الوثبة ) في الأسطر الأخيرة : فجأة غاب صوت الأستاذ وحيد سعودي عن الإدلاء بحديثه اليومي عن حالة الجو ، وجاء صوت آخر لا يحمل شيئا من موهبته ، ولا لباقته ، ولا حسن تداول المعرفة مع المذيع الذي يخاطبه ، فلم يكن وحيد سعودي موهبة صوتية فقط ، بل قدرة على أداء ” الوظيفة ” بأعلى مستوى في الأداء ، أما وقد اختفى الصوت لسبب لا نعرفه ، فلعله ( بلوغ سن المعاش ) وإذا كان الأمر كذلك ، ولا أحسبه يتجاوز هذا ، فهو سبب لإعلان العجز عن الإفادة من الموهبة ، والاعتراف بالتميز ، وتسلط المنصب على الوظيفة ، وتلك إحدى آفات حارتنا التي حار نجيب محفوظ في تعقب سلبياتها !!