نوازع الشر في الإبداع الإنساني – 22 فبراير 2017
نوازع الشر في الإبداع الإنساني
آخر ما أجريت من بحوث ، دراسة تنتمي منهجيا إلى ” الأدب المقارن ” ، وهي بعنوان : ” نوازع الشر في الفرد والجماعة من خلال الإبداع الإنساني ” ، ولا تزال هذه الدراسة في مجال التجريب ، إذ أقوم بتدريسها لطلاب الليسانس بكلية دار العلوم ( جامعة الفيوم ) ، وكما ترى فإن مفردات البحث متميزة لتناسب الطالب الجامعي ، وإن تراكمت حول طرح ظاهرة الشر – كما يدل العنوان .
فبعد مقدمة عن ” إيثار ” الشر – على ” الخير ” ، وهو قسيمه ، ولا حياة لأحدهما دون الآخر ، تتالت مفردات الطرح في عناوين جزئية ، أرى أن كلا منها يصلح لأن يكون موضوعا لدراسة أكثر وفاءً وغنى ، تتسع له رسائل الدراسات العليا ( وهذا حافز للباحثين عن موضوعات جادة يتوقون إلى خوضها ) – من هذه العناوين :
1- صراع الشر والخير في عصر الأساطير ، ما بين عقائد المصريين القدماء ، وزمن الأرباب الجبابرة عند اليونان والرومان .
2- صراع الخير والشر في عصور الأديان السماوية ، بدءاً بالخطيئة الأولى لآدم وحواء ، كما جاءت في العهد القديم ( التوراة ) ومن بعد ذلك في القرآن ، وما بين الصيغتين : التوراتية والقرآنية من فروق ودلالات . يعطف على هذا ما يتعلق بالجريمة البشرية الأولى المشهورة بقتل قايين لأخيه هابيل ، كما وردت أيضا في العهد القديم ، وكما جاءت – دون ذكر أسماء – في القرآن ، وفي الصيغة القرآنية أنه لم يجعل أحد الأخوين خيراً خالصاً ، والآخر شراً خالصاً ، فقد انطوى الخيّر – في الصياغة القرآنية – على نوع من الاستعلاء ، ودفع أخيه في اتجاه الجريمة ، وليس في اتجاه تهدئة غضبه ، واستلانته .
3- ثم كانت لنا وقفة عند الجسور الثقافية التي مثلتها مزامير داود بما أخذت من أناشيد إخناتون .
4- لننتقل بعد ذلك إلى الفلسفة ، وتجميل الشر ، فعرضنا لكتاب ” الأمير ” لميكافيللي ، الذي رأى أن خشية الناس للحاكم أفضل من حبهم له ، ودلل على أن الأنبياء المسلحين احتلوا وانتصروا ، في حين فشل الأنبياء غير المسلحين عن ذلك !! وتبع هذا وقفة مع فلسفة ” نيتشه ” وعبقرية الشر ، وأثر هذين الكتابين في جبابرة العصر الحديث ( هتلر وموسوليني ) . كما اتسعت هذه الفقرة إلى طرح حكاية ” فاوست ” وتحولها إلى مسرحية . وحكاية ” سالومي ” وتناول أوسكار وايلد لها في شكل مسرحي ، والفرق بينها وبين الصيغة الإنجيلية لقصة سالومي .
5- وفي مجال التراث العربي نختار من ” رسالة الغفران ” ذلك الفصل عن الشر الضاحك ، كما صوره أبو العلاء لإبليس وهو يمارس الغواية على الرغم من أنه في جهنم ، وكيف كان يحاول إغراء الملائكة بأن تتخطى حدود عملها ، وتتدخل في توجيه الأحداث ، ويلحق بهذا ما كتبه ” عقاد ” الفكر ، وعقدة التفوق ، كما صورها في قصائده الإبليسية : إبليس ينتحر ، وترجمة شيطان ، وغيرهما . فضلا عما كتب عن العلاقة بين المتنبي ونيتشه من أفكار مشتركة ، اختلفت أساليب التعبير عنها .
6- وأخيراً نصل إلى رواية ” الطريق ” لنجيب محفوظ التي سبق لنا تحليلها من منظورنا الخاص في كتاب : ” الإسلامية والروحية في أدب نجيب محفوظ ” – وقد طبع ثلاث مرات – وفيه يمثل ( صابر الرحيمي ) شخصية الإنسان الحائر بين نوازع الشر والتطلع بالانتظار والأمنية والتخيل إلى الخير .
لم أهدف إلى التعريف بدراستي ، وإنما أردت أن أمهد بهذا لطرح فكرة كتاب اقتنيته من المعرض ، وهو بعنوان : ” مشكلة الشر ” فلنعتبر ما سبق مقدمةً وتمهيداً لما سنعرض له في الومضة القادمة .