فن الفنقلة .. !! – 8 مارس 2017

فن الفنقلة .. !! – 8 مارس 2017

فن الفنقلة .. !!
في أحد مؤلفات عميد الأدب العربي ” طه حسين ” – ( وأحسبه في الجزء الثاني من كتاب الأيام ) وردت هذه العبارة : لا يُعد الأزهري أزهريا إلا إذا أجاد فن الفنقلة !! فسألنا شيخنا عن معنى الفنقلة ؟ فأجاب : فإن قال كذا .. قلنا كذا !! – فالفنقلة إذاً أسلوب مراوغة يتظاهر بفلسفة الاحتمالات ، وطرح التساؤلات ، وهو في حقيقته مجرد مراوغة لتشتيت الحقائق .
وأقول من جانبي : إنني حين أفضي ببعض ما تكنه نفسي ، أو تستدعيه ذاكرتي لسبب ما ، فليس لكي أثير به حوارا أكون طرفا فيه . فمع كل الاحترام والتقدير لمن أبدو تحفظهم على ما ذكرت بخصوص ” مصر الجديدة ” والمحاولة الراهنة لتأسيسها برؤية علمية وعملية مختلفة عن المحاولات السابقة ، فإنني لم أقصد إلى الترويج ، بل الإفضاء ، وتنوير الفكرة : فكرتي وأفكار الآخرين ، وليس في هذا أي مساس بحريتهم في القبول أو الرفض .
بكل الصدق النفسي أقول – برغم كل التحفظات التي أبديت على كلامي ، ولا أراها إلا صادقة ، إن لم تكن بصورتها الكاملة ، ففي بعض ما أشارت إليه ، أو على الأقل : في الباعث الذي أطلقها ، فأنا لست أملك التفتيش فى النيات ( والدعبسة ) في الأقوال ، ولو عن طريق الفنقلة ، وهو طريق شديد الإغراء لأمثالنا ممن ( صناعتهم ) الكلام !!
لقد رأيت عبر برنامج تليفزيوني مع المهندس المصري العبقري المقيم بألمانيا ” هاني عازر ” صورة عن قريب لأربع ماكينات عملاقة تعمل في حفر أربعة أنفاق تحت قناة السويس لتكون شرايين قادرة على إدماج سيناء بأرض الوادي ، وهو ” أمل ” حلمنا به طويلا ولم نجد من يتخذ خطوة مؤثرة وحقيقية في اتجاهه ، وهذا الأمر كما يستحق به هاني عازر أن يكون بطلا قوميا لأنه أنجز – لوطنه – من لم يستطع غيره أن يفعله ، فإن من دعاه إلى ذلك وأعانه عليه يستحق من الأوصاف ما لا يمكن أن يكون أقل من البطل القومي !!
إن المساحات المهملة ، أو المسكوت عنها ، أو المؤجلة في تأسيس مصر الجديدة ( الذي نتمنى ، وندعو الله سبحانه بأن يتمه على خير ) أضخم وأفدح من أن تتسع لها قدرة إدارة محدودة الامكانات ، محدودة الميزانية ، محدودة الزمن . وأذكر عبارة طريفة وردت في كتاب : ” طبقات فحول الشعراء ” لمؤلفه محمد بن سلام الجمحي ، وقد أقام منهج كتابه على أنه قسم الشعراء في طبقات عشر ، وجعل في كل طبقة أربعة من الشعراء ( زعم ) أنهم متساوون تماما ، وليس مهما الآن أن نبحث في صدقية هذا التوزيع ودقته المنهجية ، فقد تشغلنا عنه العبارة الطريفة التي سقت هذه الإشارة لإبرازها . فقد أراد أن يؤكد مبدأ المساواة المطلقة على الرغم من أنه رتب أسماء الشعراء في الطبقة على التوالي ، وليس على التوازي ، معبرا عن هذه الضرورة بقوله ( والعبارة من ذاكرتي ) : ” وقد بدأنا بأحدهم ، إذ لابد من مبتدأ ” !! ففي بناء مصر الجديدة : ” لابد من مبتدأ ” أي أنه لابد من بدء العمل بكل الجدية ، والحرارة ، وصدق الرؤية ، أما ترتيب أوليات مجالات العمل فإنها من الأمور التي يصعب الإجماع عليها ، فقد ترى أن بناء الإنسان ( أهم ) من بناء الخرسانة ، وهذا صحيح ، ولكنه ليس على إطلاقه ، ففي الجنة ذاتها خاطبت الذات الإلهية آدم بعبارة :  إن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى  وأنك لا تظمأ فيها ولا تضحى  . فكما ترى تصدرت وزارة التموين ، والخدمات ، والتعمير ، قبل شجرة المعرفة ( أو شجرة الخلد ) .
فلتكن هذه إضافة محدودة محسوبة على فن ” الفنقلة ” ، مع أنني أردت بها أن أكشف عن أهمية العمل ، وتحقيق أحلام مطمورة ، ورغبات مهدرة منذ زمن ، لتكون بمثابة تمهيد أرض الملعب ، مع عدم إغفال تدريب الفريق ، ولكن دون أن ( نغرق ) في إعداد الفريق ، فإذا انتهى من ( التسخين ) وبحث عن أرض ليمارس فيها قدراته المكتسبة ، لم يجد غير ركام لا يصلح للحياة ، فضلا عن ممارسة الرياضة ، وحينئذ سيسعى باحثا عن عقود للعمل في الخارج !!
لا تزال لفكرتي عن بناء ” مصر جديدة ” بقية متضمنة في العنوان الذي رأيت حين سبكته ( يورك … نيويورك ) أن ومضة واحدة تكفي لتبيانه ، ولكن طال الحديث ، ولا تزال له بقية ، أرجو أن تكون خاتمة هذا الحوار .

اترك تعليقاً