تقرير لم يكن مطلوبا .. 13 مارس 2017

تقرير لم يكن مطلوبا .. 13 مارس 2017

تقرير لم يكن مطلوبا ..
تستعيد ذاكرتي محتوى تقرير كتبته – على طريقتي – ولم يكن مطلوبا ، وأرى أنه ينبغي أن يستعاد ، وأن نفكر فيه ونحن بصدد الانشغال بقضية التعليم . وما أقصده بعبارة ( على طريقتي ) لا يحمل معنى الشعور بالخصوصية أو التميز ، بل الأمر على العكس ، فطريقتي هي الاهتمام بما هو في متناول خبرتي المباشرة ، شريطة أن أكون قد مارست العمل في المجال المقصود زمناً يجعلني أدعي المعرفة به على نحو جيد ، دون مبالغة أو محاولة تقعر تفضي إلى اللاشيء !!
في زمن سابق كنت عضواً محكماً – لعدة سنوات – في اختيار كتب متسابقة في مقرر اللغة العربية بالتعليم الإعدادي ، وفي التكليف الذي تلقيته من وكيل وزارة التربية زمن ( حسين كامل بهاء الدين ) أن المحكَم مطالب بإبداء رأيه من خلال وضع الدرجة ، دون ذكر أسباب ، وأنه يجب أن يقبل الكتاب المقدم ( في صورته الكاملة ) أو يرفضه ( في صورته الكاملة كذلك ) أي أن المحكمين ممنوعون من اختيار أبواب مختلفة من كتب متسابقة مختلفة كذلك !!
هذا الشرط الأخير كان يبدو لي تعسفيا بيروقراطيا غبيا – دون مبالغة في هذه الأوصاف – لأنني حين سألت عن الحكمة في قبول الكتاب كاملا ( بكل فصوله ) ، أو رفضه كاملا كذلك ، مع أن الصواب غالبا ما يكون في اختيار كتاب متكامل من أبواب متفوقة ، جاء كل باب منها من كتاب مختلف ، غير أنها في مجموعها تشكل مادة متميزة تحقق الشروط المطلوبة في كتاب قراءة متنوع الموضوعات ، يناسب المرحلة . والمؤسف أن رفض هذا الاقتراح سببه ( الروتيني ) أنه سيثير مشكلات في توزيع المكافأة المالية المستحقة ( وهي عشرات الآلاف من الجنيهات ) بين أصحاب هذه الفصول المختلفة . وهكذا كان الحل المريح هو : كتاب واحد فائز يحصل على المكافأة كاملة ، وينتهي الأمر !!
من الطبيعي أنني خضعت مجبرا لهذا الشرط ، ولكنني لم أخضع للشرط الآخر ، وهو الاكتفاء بوضع درجة ، دون كتابة تقرير عن الكتب المتسابقة ، وما يمكن أن يستنتج منها لكي تكون – ولو مستقبلا – في صورة أقرب إلى الجودة .
كتبت التقرير ، وأرفقته بنتيجة المسابقة ، فأرحت نفسي بأنني أديت ما يجب عليّ فعله ، وكان مما ذكرت في ذلك التقرير ( اليتيم ) الذي لم أتعقب مصيره ، ولم يحدثني بشأنه أحد : أن جميع الكتب المقدمة للمسابقة تعكس ثلاث سلبيات أساسية :
السلبية الأولى : أنها موجهة في موضوعاتها إلى المذكر ، الطالب أو التلميذ ، ولم تخاطب الطالبة ، أو الأنثى بوجه عام إلا في فقرات محدودة جدا كأن تذهب الأم مع ابنتها لإعداد الشطائر مع الشاي لتقديمه إلى الضيوف مثلا ، وما إلى ذلك مما يؤكد هامشية الوجود النسوي ، وتراجع شخصية الأم إلى موقع الخدمة المنزلية ، مع أن دورها الحقيقي يتجاوز هذا بكثير ، والتلميذ قارئ الكتاب نفسه يدرك ذلك . كما أن عدد التلميذات الذي يتجاوز عدد التلاميذ سيتألم لتراجع صورة التلميذة في موضوعات الكتاب الذي يفترض أنه كتاب في التربية ، وإن كانت القراءة هي الطريق .
السلبية الثانية : أن الموضوعات موجهة إلى تلاميذ المدينة ، مع أن تلاميذ القرية ينافسونهم عدداً ، ويتفوقون عليهم في أماكن عديدة ، ومع هذا تبهت صورة القرية وتتراجع مظاهر الحياة فيها : كالاهتمام بالزراعة ، والأنشطة الريفية ( الحقلية بصفة خاصة ) كما تغيب تماما الصناعات المؤسسة على الإنتاج الزراعي .. إلخ . وقصارى ما كان يذكر أن يقوم تلاميذ مدرسة ريفية برحلة إلى حديقة الحيوان بالقاهرة ، أو إلى البرج أو الأهرام !!
السلبية الثالثة : أن الموضوعات تُغفل تماما الملمح المسيحي في الكتاب ، فهو موجه إلى التلاميذ المسلمين فقط ، وأول ما يؤصل هذا التوجه أن موضوعات ” القراءة ” تتضمن آيات قرآنية ، وأحاديث نبوية ، مع أن لهذه النصوص الدينية مكانها في درس الدين . وكذلك لا نعثر على اسم تلميذ مسيحي في فريق الكرة أو التمثيل بالمدرسة ، ولن يزور تلاميذ مدارس القرى الذين ذهبوا إلى القاهرة في رحلة : الكاتدرائية مثلا ، وحبذا لو قابلوا ( البابا ) – أو الكنيسة المعلقة ، وحبذا لو مشوا على أقدامهم المسافة بين هذه الكنيسة التاريخية ، ومسجد عمرو بن العاص ، وهو على مقربة منها ، ولكن من المؤسف أن هذا لم يحدث في أي كتاب !!

اترك تعليقاً