راجية – 3 ابريل 2017

راجية – 3 ابريل 2017

راجية ..
كان هذا اسمها ، كانت في منتصف المرحلة الإعدادية ، بالمدرسة الأمريكية ، حول الثالثة عشرة من العمر ، ولكن جسمها كان كامل التضاريس الأنثوية . دفعت بي الظروف إلى اعتراض طريقها ، إذ رشحتني إحدى قريباتنا أن أعطي راجية درسا في اللغة العربية . كنت لا أزال طالبا بالجامعة حول العشرين . رشحتني قريبتي لأن راجية كانت تعيش مع أمها الأرملة ( في الأربعين ) وحدهما ، في شقة فاخرة بحي متميز . ذهبت فأدركت كم أنا غريب على الجو العام ، ومع هذا لم أفقد اتزاني أبداً : أصل في الموعد بدقة ، أجلس في مكاني المحدد لا أبارحه ( ولو إلى الحمام ) وأراجع الدروس ، واشرب الليمونادة .. وأنصرف .
استمر هذا عاما كاملا ، تبادلت فيه كلمات قلائل مع السيدة الأرملة التي كانت تشغل منصب مديرة في إحدى الوزارات التي أنشأها عبد الناصر . في نهاية العام نجحت راجية ، ورفضت أن أخذ أجراً على دروسي بحجة أنني غير محترف ، وأن هذه مجاملة لقريبتي ، أما الأم – على أبواب الكهولة – فقد أحضرت هدية بسيطة ( كرافات وجوز جوارب ومنديلين وقميص ) حَمَلَتها إلى السكن المشترك الذي أقيم في إحدى غرفه !!
حين استهل عام جديد عاد الدرس ، ولكن من خلال حالة من التقارب ، سمحت بتبادل أحاديث مختصرة ذات طابع عائلي أو خاص .
ذات ليلة شتائية ، وكانت أم كلثوم ستشدو بأغنية جديدة ستذاع في التليفزيون ، الذي شاهدناه حديثا ، فاقترحت السيدة أن أسهر عندهم حتى أشاهد ( ثومة ) وأستمع إلى أغنيتها الجديدة ، ( وكانت مونولوج : أنساك يا سلام ) وقبلت العرض ، وذهبت فتقدم الليل مع السماع ، وحين أردت المغادرة اقترحت السيدة أن أبيت عندهم لأنه – كما ترى – لا ضرورة لإقلاق البواب لفتح البوابة ، وإثارة ظنونه !! ترددت في قبول العرض ، ولكني قبلته . وحين أرشدتني راجية إلى الغرفة التي سأنام فيها كانت تحمل إحدى بجاماتها ، قدمتها إليّ ، وعجبت من نفسي إذ ارتديتها بلا تردد ، لأنني لا أجد بديلا آخر !! ولكن حين اقتربت راجية مني وجدت نفسي أميل عليها وأقتطف من شفتيها قبلة !! عجبت لجرأتي المباغتة ، وذهبت بي الظنون بتوقع رد الفعل ، ولكني لم أجد أية غرابة في استقبال ما جرى !!
قضيت الليلة ، وكان لابد أن أنتظر حتى يتحرك النهار ويصبح خروجي من البيت أمراً مألوفا أو لا يدعو إلى التساؤل ، وحين انفردت بنفسي في الهواء الطلق استعدت المشهد مرات ومرات ، متذوقا حلاوته ، ولكن لم أضمر تكراره . وحين ذهبت لموعد الدرس التالي انفردت بي السيدة وصارحتني بأنها تريدني أن أتزوج راجية ، وأخذت تذلل كل عقبة أعترض بها على هذه الدعوة ، فإذا ذكرت فارق العمر وإمكان تغير رأي البنت مستقبلا في أمها وفي زوجها ، قالت : هي ابنتي وأنا أعرف كيف أوجهها ، وبعد سنة واحدة ستكون صالحة للزواج تماما ، فإذا قارنت بين فقري وثرائها استهانت بهذا الفارق ، وقالت : إنه السبب في تمسكها بي ، فأنا – في رأيها – شخص أمين ، وأنني الوحيد القادر على الحفاظ على ميراث ابنتها مستقبلا !!
لم أكن فرحاً بالفرصة المتاحة ، حتى مع استعادة حلاوة القبلة اليتيمة التي اختلستها ، ولم أفكر في تكرارها ، بل انصب تفكيري على كيفية إنهاء العلاقة ( الدرس ) بطريقة غير جارحة لكلينا .
مضت أشهر ، انتهى العام الدراسي ، توقف الدرس ، أخذتني نوبة ( كرامة ) علمية ، فلم أقبل وظيفة معيد بالكلية التي تخرجت فيها ، في غير التخصص الذي أميل إليه ، دفعتني ( هوجة الغضب للكرامة ) إلى إحدى السفارات التي قبلت طلبي ، فسافرت للعمل مدرسا بها . أصبحت بيننا صحارى وبحار ، ومع ذلك كانت تأتيني رسائل الأم ، بما يجعلني أكثر اقتناعا بمخاوفي من الارتباط بهذا التكوين الأسري الخاص . حتى إذا عدت إلى الوطن بعد تسعة أشهر حملت إلى الأم وابنتها بعض الملابس الجاهزة الثمينة التي طلبتها الأم ، أحضرتها بالطبع ، وحملتها إلى الشقة التي شهدت تلك الليلة النادرة ، وشربت الليمونادة ، كانت الجلسة منطفئة قصيرة .. سلمت .. وكان وداعا ..

اترك تعليقاً