شغلني حبكِ عنكِ !! – 13 يوليو 2017

شغلني حبكِ عنكِ !! – 13 يوليو 2017

شغلني حبكِ عنكِ !!
من الصعب – إن لم يكن من المحال – إنكار حقيقة علمية بغير طريق معارضتها بحقيقة علمية مناقضة . والآن يسود القول بحتمية ما تدل عليه الجينات الوراثية ، على الرغم من تفاوت الذكاء والخبرة والسلوك … بين الإخوة الأشقاء ورثة الجينات نفسها !!
ولست أدري : هل مكونات الشخصية الإنسانية تبدأ من حتمية الجينات ، وما توجه إليه ؟ أم أن الملابسات والأحوال الطارئة هي التي تجتذب مكونات الشخصية ؟ ومهما يكن من شيء فإن البدء من شيخنا القدير الدكتور محمد غنيمي هلال –طابت ذكراه ، وطيب الله ثراه- سيكون مفيداً في تنوير الحالة التي نحن بصددها . لقد عُني الدكتور غنيمي بموضوعات الأدب المقارن في توجهه الشرقي (تداخل الأدب العربي بالآداب الشرقية ، بخاصة : الفارسية ، والتركية ، والهندية) ومن هنا كان اهتمامه بموضوع العشق المتبادل بين الشاعر قيس بن الملوح ، وابنة عمه ليلى العامرية ، ذلك العشق الذي برأته الأشعار والأخبار من شوائب الاشتهاء ، أو الرغبات الجسدية ، من ثم وُصف بأنه (حب عذري : نسبة إلى بني عذرة من عامر – التي شاع بين شبابها هذا الحب العفيف) عرض غنيمي هلال لموضوعه الأثير في عدة مؤلفات ، أولها : “ليلى والمجنون في الأدبين العربي والفارسي” – ثم عدل في مادة هذا الكتاب بالتأصيل والتوسع وأضاف الأدب التركي فكان كتاب:”الحياة العاطفية بين العذرية والصوفية”- ثم ترجم أشعار الشاعر الفارسي عبد الرحمن الجامي عن (ليلى والمجنون) وفي هذا الديوان الأخير تحول قيس من عاشق عذري إلى عاشق صوفي ، بمعنى أنه كان –في عذريته- يترفع عن الاشتهاء ، وعن تملي الجسد، مستغنيا بالروح ، وعذوبة النفس المعشوقة – إلى مستوى العشق الصوفي الذي ينظر إلى جمال المرأة على أنه (مرآة عاكسة) تجلو جانبا من الجمال الإلهي ، فالمرأة – بهذا- مجرد رمز لا يلبث العاشق الصوفي أن يتعلق به ، ليتجاوزه إلى المعشوق الأول : (الذات الإلهية) !! وفي أشعار الجامي ما يجسد هذه الحالة ، بأن جعل من قيس عاشقا عذريا ، ثم ما لبث أن ارتقى إلى العشق الصوفي ، فهام في الملكوت ، وتجاوز ليلى إلى ما ترمز إليه بجمالها من جمال الخالق سبحانه ، وفي تصوير مؤثر يبدو قيس – في شعر الجامي- مزروعا في الصحراء الملتهبة ، كأنه نخلة ! حتى لقد عششت بعض الطيور فوق رأسه !! وهنا جاءته ليلى ، وقد شفها الحزن من أجله ، وما يعانيه ، فقالت له : لماذا تعذب نفسك ؟ أنا هنا .. أنا ليلى ، وقد سعيت إليك !! وهنا قال لها قيس : شغلني حبكِ عنكِ !! بمعنى أن قيساً قد تجاوز الأداة/الرمز/ليلى –إلى الأصل– المرموز إليه/الخالق سبحانه وتعالى .
بصرف النظر عن أن مؤلف الأغاني إسماعيل الحبروك اقتنص عبارة ( شغلني حبك عنك) فحولها في أغنية عبد الحليم حافظ العامية : (أنا مشغول عنك بيكي) .
هنا أستعيد أسماء الفتيات الصغيرات (وكنت صغيرا مثلهن) وقد أحببتهن على التتابع ، وأنا لا أزال (مفعوص) في مدرسة تمي الأمديد الإلزامية : سمية ، وسناء ، وحياة ، وحسينة ، مع فواصل انتقالية لا أتذكر الأسماء ، ويمكن وضعهن جميعا تحت شعار ( شغلني حبكِ عنكِ) فلم أكن أهتم بهذه الفتاه التي شغفت بها ، وأفكر فيها ، وأريد أن أكون دائما في مرمى نظرتها ، وأن أبدو أمامها (ولد شاطر) وله تأثير ، وحضور مميز .. لم أفكر كيف تنظر إليّ ، وهل تبادلني ذات المشاعر ، أم أنها لم تأخذ علما بأي شيء ، بما يعني صدق العبارة البريدية المشهورة : (لم يستدل على العنوان- يعاد إلى المرسل) !
سأختم بأن “حسينة” هي الوحيدة التي جذبني إليها اسمها ، فليس له شبيه –في قريتنا- فيما أعرف ، وفستانها اللبني بخطوطه الطولية الكحلية العريضة كأنها صف مساطر !! وكان بيني وبينها – في هذه المرة وحدها- وسيط ، تلميذ قريبي ، أرسلته إليها ، وطلبت منها –عبره- أن تكتب لي رسالة ، فأجابت الوسيط بأنها لا تعرف كتابة الرسائل ، فلما تمسكت بأن تكتب إليّ أي شيء ، كتبت آخر نشيد درسته في المدرسة !! وكان عن المنديل :
أنت منديل جميلٌ .. محكم النسج متينْ ..
فيك أزهار ونقشٌ .. فيـــــك أثار الفنونْ !!
شعرت بخيبة الأمل ، ولكن مازلت أحفظ ما كتبته حسينة ، وبعد نصف قرن عرفت لماذا في الشام (سوريا ولبنان) يعبرون عن المناديل ، بكلمة : المشاوير !!

اترك تعليقاً