الحلزون العنيد !! – 18 يناير 2018

الحلزون العنيد !! – 18 يناير 2018

الحلزون العنيد !!
هذا عنوان لرواية غاية في الطرافة والتشويق والأهمية ، كتبها الجزائري رشيد بوجدرة (عام 1977) بالفرنسية ، وترجمها إلى العربية هشام القروي . ومعلوم – أو أرجو أن يكون معلوما – أن جرار العسل تمضي بين السيرة الذاتية والرؤية المجتمعية والأدبية ، ولهذا أكتفي من “الحلزون العنيد” –(ويعني : ذلك الكائن الهلامي المحتمي بالقوقعة ، لا يرغب في مغادرتها ، ولا نملك قدرة إخراجه منها حيا) ، وفي هذه الرواية يقصد به الموظف البيروقراطي ، الذي تصنعه وتحكم إدراكه تقاليد العمل الروتيني ، والقوانين الجامدة ، والتعليمات والتوجيهات المتراكمة ، التي لا تقبل التطوير ، أو إعادة النظر ، فهناك دائما ذلك الحلزون العنيد الذي يحرسها بثقة متناهية ، لأن الحياة لا يمكن أن تصلح إذا تجاوزنا تلك القوقعة !!
قابلت “الحلزون العنيد” في مراحل من العمر ، وخضعت – قسرا- لمنطقه الجامد ، وأصابتني أشواكه غير مرة ، ولم أتمكن – ولو مرة واحدة – من إقناع الحلزون العنيد بإمكان النظر إلى “الموضوع” من زاوية أخرى .
في العام الأول من دراستي بدار العلوم كان المتبع أن نمتحن على نظام الفصلين . مع هذا كانت تحجب نتائج امتحان الفصل الأول ، حتى نمتحن الفصل الثاني فتظهر النتيجة كاملة دفعة واحدة !! ربما كان لهذا السلوك مبرره من ناحية ما يطلق عليه (درجات الرأفة)، ولكن الذي كان يحدث أن الطلبة – في جملتهم – كانوا يتحايلون عن طريق تقديم الرشاوى الصغيرة للكتبة وكبار الفراشين المسئولين عن الكنترول ، لإعلامهم بالتقديرات التي حصلوا عليها . كنت أعرف أنني سأحصل على تقديرات عالية ، ولكن صديقا ظريفا – سامحه الله – قرر أن يمدني بتقديراتي مع تقديراته التي استرضى الفراش لكي يحصل عليها، وكان صديقي هذا محدود الإمكانيات في التحصيل العلمي ، كان من حملة مضرب التنس ، ولبس الشورت ، والوقوف أمام كشك السندوتشات ، والثرثرة مع البنات (واضح أنني لم أكن أنتمي لهذا الفريق على الإطلاق) ، وذات يوم جاءني متهللا : هذه تقديراتك ، إنها مثل تقديراتي تماماً !! أصبت بحسرة ولم أنطق ، فكيف نستوي نتيجة ولم يكن تحصيلنا سواء ؟! وأرجعت الأمر إلى احتمال عشوائية التصحيح ، ومن ثم سيطر الإهمال على سلوكي العلمي في الفصل الدراسي الثاني ، حتى لاحظ ذلك أستاذ الأدب (الدكتور علي الجندي – مؤلف شعر الحرب – رحمه الله) ، الذي لامني على إهمالي ، وأنني لم أتابع سلوكي السابق ، فأخبرته بالسبب ، فقال متعجبا : كيف تقول إنك حصلت على مقبول في الأدب ، وقد منحتك درجة الامتياز عن جدارة !! تملكتني غصة ، وحاولت استدراك تقصيري ، ولكن هيهات ، والذي حدث أن كشف الدرجات كان يتعاقب فيه اسم “محمد حسن” ثم يختلف الاسم الثالث لأربع مرات على التوالي ، ويمكن تخمين ما جرى ، فالفراش المتلهف على التقاط الأرقام ، نقل أرقام أول محمد حسن واجهه ، دون أن يُعنى بالاسم الثالث ، وهكذا ضاعت فرصة التفوق في السنة الأولى ، فكانت درجة النجاح (جيد) فقط ، في حين تراوحت في السنوات التالية بين (جيد جدا ، وممتاز) ، أما هذه المقبول التي دُهيت بها في النقل الخطأ لدرجاتي ، فإنني لم أهبط إليها في أية مادة على مدار السنوات الأربع .
وأذكر أنني حين رشحت للعمل معيدا في الكلية ، وشاركت في أعمال الكنترول ، وقف بيننا “رئيس الكنترول” – الدكتور بدوي طبانة رحمه الله – وقال ؛ الطالب الراسب على درجة أو درجتين يمكن أن نجبره بها لينجح ونتخلص منه ، فسألته : وإذا كان الطالب ناجحا بدرجة جيد جدا ، ويحتاج – في المجموع – إلى درجة واحدة أو درجتين ليرتفع إلى تقدير ممتاز ، هل نمنحه إياها ؟ قال بحسم : لا ، فالطالب الراسب نحاول إنقاذه والتخلص منه ، أما المتفوق فالتقدير بالنسبة إليه ترف!!
عجبت للإجابة ، وللتعليل الغريب ، ولكن مثلي – مجرد معيد تحت الاختبار – لا يجرؤ على مناقشة منطق الحلزون العنيد .. لست أدري هل تغير هذا المنطق أم لا يزال يفرض غباوته علينا ؟!

اترك تعليقاً