الكاتب الجالس القرفصاء – 25 يناير 2018
الكاتب الجالس القرفصاء
تمثال هذا الكاتب المصنوع من الجرانيت ، مشهور جدا ومتداول فيما يُكتب عن الفراعنة ، وهو فخر لمن أبدعه ، ولكن تأمل سحنته وجلسته يوصلانك إلى الجمود ، وشيء من اللامبالاة ، ودرجة من الخضوع البارد لتنفيذ ما يملى عليه دون تفكير !! موضوع (الحلزون العنيد) أثار الكثير من الشجن ، والتجارب الأليمة ، ولعلي استدعي الآن بعض مشاهد من “يوميات نائب في الأرياف” إذ استنكر رئيس النيابة على وكيل النيابة أن يكتب تقريرا عن جريمة قتل في صفحتين !! ، حتى رد وكيل النيابة : المرة الجاية نلاحظ الحجم ! وذكر الحكيم كيف أن كاتب النيابة شغل عن استدعاء الإسعاف لأنه معني بوصف جسم المصاب ، أو القتيل ، حتى “تكة اللباس” وصفها مادة ولوناً .. إلخ .
قضية الحلزون ، والكاتب الجالس القرفصاء تتشكل في صيغة عصرية هي : العجز الإداري !! لا تعجب ولا تمت قهراً إذا قلت لك إن تخلف هذا الوطن يرجع إلى سوء إدارته . تدخل تحت هذا العنوان أمور كثيرة ، منها : اللوائح ، وفساد الموظفين ، والقبلية وما يتبعها من تفضيل ذوي القربى ، وأهل الحظوة ، بما يؤدي إلى تراكم صور العجز ، ومجافاة التقدم . أذكر أنه كان المألوف أن نقول إن عمر الحضارة المصرية خمسة آلاف سنة ، وقد امتد بها “السادات” إلى سبعة آلاف سنة !! كان أخي الكبير يسمع معنا فقال : يا سيدي ، هو فيه حد هيعد وراك ؟! وهنا أقول إن هنري برستد يرجع بالحضارة المصرية في كتابه : “فجر الضمير” إلى ما يتجاوز ضعف هذا الرقم ، ولكن لا أحد يعد !! والمهم هو الثمرة ، والصورة الراهنة ، فإذا كان عمر بلد آخر خمسمائة سنة ، وليس خمسة آلاف ، ولكنها تخترع ، وتبدع ، وتصنع ، وتربح ، وتعيش آمنة ، حاضرا ومستقبلا ، ومهابة في العالم ، وحاضرة في زمانها الراهن ، ومحسوبة في المستقبل ، فهل يبقى للامتداد الزمني (في ذاته) فضيلة نتغنى بها ؟!
من عجائب الحلزون أنني – وقد كان ترتيبي الثاني على الدفعة – كنت مسبوقا بنصف درجة في المجموع العام . ولكن هذا النصف جعل مني في نظر كل الحلزونات المتحكمة شخصاً مفضولا ، ليس من حقه أن ينافس من سبقه ولو بنصف درجة ، وكان أول دفعتي – ولا تجوز عليه غير الرحمة – يجد لذة في إقامة الحواجز أمامي – إذ تقدم لكل وظيفة تقدمت إليها ، حتى عندما قررت مغادرة الوطن إلى الكويت ، تبعني إلى السفارة وتقدم هناك بطلب ، وامتحن قبلي وتم اختياره ، ولأن التدريس يتسع لأكثر من مدرس فقد اختاروني كذلك ، ولم يسافر هو مؤثراً وظيفة الكلية . وعندما أعلنت إدارة البعثات عن حاجتها لمبعوث في الأدب المقارن إلى فرنسا ، تقدم كثيرون ، ونافسني شخص أكبر مني سناً ، فاختاره الحلزون العنيد ، فقلت للحلزون : إنني أصغر سنا ، ولهذا ستكون مدة خدمتي للعمل أطول ، فأنا أحق بالبعثة . لم يخن الحلزون عقله الحجري وقال : أنت اصغر فأمامك فرص قادمة ، أما هو فأمامه هذه الفرصة لا غير !! وهكذا لا يعدم الحلزون منطقا يغطي به أهدافا لا أعرفها .
لقد أنعم الله على بعض البقاع بأن جعل في باطنها مناجم الذهب ، وفي بقاع أخرى مناجم النفط ، وفي غيرها حشد مالا يحصى من التماثيل والمومياوات ، وهذا ضرب من ضروب “العدل الإلهي” الذي لا نجيد قراءته ، بل لعلنا لا نفكر فيه ، مع أنه جوهر الوجود . يمكننا أن نفكر في أساليب البحث عن الذهب وما ترتب عليه ، والنفط وما صنع بأهله ، وما سيصنع للأجيال القادمة . ثم نفكر في مناجم الآثار التي لا شبيه لها في العالم ، وكيف يساء تخزينها – وليس عرضها – ويتم تهريبها وبيعها ، وسرقتها ، ونختم بالإشارة إلى سوء إدارة مرفق “السياحة” التي نتركها حبلها على الغارب ، في يد السماسرة والسياس ، ومن لا خلاق لهم من المتسولين والنصابين وسائقي التاكسي .إلخ .. إلخ ..إلخ ما تعرف وأعرف، ولا يغني فيه أن يمتد تاريخنا الحضاري حتى يصل مركز الأرض .
لله الأمر من قبل ومن بعد ،