وهل من سامع منصف ؟! – 19 ابريل 2018
معزوفة على وتر الحنين
وهل من سامع منصف ؟!
في تصوري أن المشكلة الجوهرية في مجتمعاتنا الشرقية ، هي في خلاصتها أخلاقية ، ناتجة عن ممارسات انتهازية ، هيمنت على توجيه الحياة العامة ، والأخلاق زمنا طويلا ، أو أزماناً ، فأصبحت ميراثا متجذراً في الفرد والجماعة على السواء ، لا يكاد يبرأ منه أحد . فأنت ترى الانحراف ، أو القصور ، والعجز ، أو الانتهازية .. إلخ . فيمن يشغل موقعا مؤثراً ، لا يستحقه ، ومع ذلك لن يقبل منك أن تبدي انتقاداً على شيء مما يفعل ، وسرعان ما توجه إليك تهمة “الحسد” له ، و “الحقد” عليه وعلى الناجحين ، والتشفي المريض بإسقاطهم .. إلخ . وهكذا يتمكن ذلك القاصر ، أو المنحرف في موقعه ، يبذل جهده في تقوية مركزه باجتذاب أشباهه ، دون أن تتمكن كلمة الحق من اعتراض سبيله المدمر . فإذا كنت من أهل الصبر ، وكظمت غيظك تفاديا للتهمة التي أنت منها براء ، وجاء يوم فرحل عن الوظيفة ، أو رحل عن الدنيا ، فرأيت أن تبدي رأيك فيما كان .. تقويما لما يمكن أن يكون .. ستجد التهمة الجاهزة : لم يجرؤ على نقده حتى سقط عن عرشه ، أو : اذكروا محاسن موتاكم !! وهكذا يظل ميراث الخذلان ، والضعف ، وسيطرة الشللية متشبثة بمواقعها ، لا تجد من يعترض سبيلها ، ما دام المنتقد حريصا على تبرئة ساحته من الحسد ، ومن التحامل .
خلاصة القول هنا : أن آفة الشرق متحجرة في الموروث المجتمعي (الإنتهازي) وضعف الفرد صاحب الجدارة في الثقة بجدارته ، وفي العدل بوجه عام ، حتى لقد تفنن أصحاب الرأي فينا إذا ما أبدى أحدٌ قولا معارضا ، أو منتقداً ، بمطالبته – إذ ينتقد أو ينتقص – بتقديم البديل ، وكأنما قد حُرم على صاحب الرأي ، أو الرؤية إلا أن يكون مدركا للعيوب في جانب ، ومسيطراً على المعرفة بالصواب في جانب آخر ، وليس هذا من الحكمة في شيء . إذ الحكمة تقتضي أن نستمع إلى الكشف عن جوانب النقص ، ونتفحصها بدقة ، حتى نصل من خلالها إلى الاكتشاف الجماعي لوجه العلاج .
لقد لاحظت في ممارساتي الحياتية أن من يبدؤك بعبارة : “إنت هتعرفني شغلي ؟!” هو أول من لا يعرف شغله ، ولا يلتزم بواجباته . أما “وباء” القصور والانحراف ، واستغلال الوظائف ، والإلتواء بالحقائق ، فإنه في شرقنا العربي ليس وقفا على فئة ، أو جماعة ، أو مهنة ، إنه بلاءٌ عام ، لا نستثني منه من يطلق عليهم “رجال الدين” ، ولا أصحاب الأيديولوجيات الزاعقة بالعدل ، والعلم ، والتقدم ، أو التأسلم . فكم من عصابات من هؤلاء وأولئك تحكمت في حيوات الناس ، وفي المصالح الوطنية ، ومع ذلك اكتسحت في سبيل الانتصار لنفسها كل الأصوات التي اعترضت سبيلها ، مهما كان أسلوب المعارضة ، أو الدعوة الرفيقة إلى المراجعة .
لقد أشار الإمام محمد عبده في عبارة سائرة ، وناصعة ، متجددة : إلى أنه وجد في الغرب أخلاق الإسلام من غير المسلمين ، والعكس بالعكس . أما شاعرنا الفارس النبيل “محمود سامي البارودي” فيقول :
وأقتل داءٍ رؤية النفسِ ظالماً يسيءُ ، ويتلى في المحافل حمده
فاللهم ارزقنا الصبر على المكاره ، وساعدنا – أنت مولانا – على أن يتجه الحنين في هذه الجرات نحو ما هو إنساني ، وجميل ، وإيجابي ، ينفع الناس ، ويمكث في الأرض .