زمن القلقاس !! – 3 مايو 2018
معزوفة على وتر الحنين
زمن القلقاس !!
هذه نفاضة أخرى ، ذات دلالة فاجعة مثل سابقتها ، غير أننا لا نذكر ذلك لنستعيد الحزن ، أو نتحسر ، وإنما لنكتشف مفارقات وطرائف نصادفها بدوافع وقتية ، غير أنها تحمل دلالة قابلة للاستمرار ما لم نعرض لها ، ونضيء جوانبها السلبية غالبا .
وقد تذكرت قول الشاعر :
وإن سألوك عن قلبي وما قاسى .. فقل قاسى ، وقل قاسى ، وقل قاسى
وهو منسوب لمداعبات حافظ إبراهيم .
مهما يكن من شيء فقد سألني أديب صديق ، أبدى اهتماما مقدراً بجرار العسل : لماذا تغفل ذكر أيامك في الكويت على امتدادها ، واحتشادها بالعمل والإنتاج ؟ قلت بصراحة : لم تكن (كل) أيام الكويت من ماركة (المهلبية) ، كانت خليطاً من المهلبية ، وعسل النحل ، والقلقاس ، والطبيخ البايت ، ولا أجد في نفسي رغبة لما يمكن أن يعد تنديداً ، أو نقدا لاذعاً لأحد مهما كان ، فالحسنات يذهبن السيئات – كما قال الله تعالى- وقد أذكر هذه النفضة (ع الماشي) – حسب تعبير مولانا إبراهيم المازني – رحمه الله .
في أعقاب اختياري معيدا بجامعة الكويت ، وكنت حصلت على الماجستير ، تخرج في دار العلوم شاب كويتي ، ما لبث أن عُين معيداً معي ، ولكن يبدو أنه لم يكن يرغب في وجودي لسبب لا أعرفه ، ولا استبعد أن تكون بعض المؤثرات عليه أيديولوجية سياسية ، وبعد مضايقات صغيرة رشح لبعثة في انجلترا فذهب إليها ، ومن جانبي استرحت من مشاكساته ، لكنه حين عاد – بعد خمس سنوات – كان يحمل شحنة أشد ضراوة ، وبخاصة أنه رجع ليجدني في درجة “أستاذ مساعد” ، وهكذا ضاقت عليه ثيابه ، بل لم يعد يطيقها حين رُشح – وهو مدرس – لرياسة القسم الذي أعمل به ، فنصب في أعقابي مجسات من الطلاب والطالبات ، يبلغونه بكل كلمة أنطق بها !! وكان ضروريا أن يتجمع لديه – ولو بعد حين – ما يمكن أن يفجر فيه طاقة الغضب ، ولكنه عمل حساباً للزملاء المصريين في القسم ، وبذلك جمع مآخذه ودعى إلى اجتماع حضره الأستاذ الدكتور أحمد مختار عمر – أستاذ علم اللغة ، والأستاذ الدكتور عبد الحميد طلب – أستاذ النحو (رحمهما الله تعالى ، وأحسن مثواهما) وبدأ الدكتور رئيس القسم يفتح ملفات الخطايا التي أتجاوز بها سلوكي مع الطلاب أو الطالبات ، وكلها أو اغلبها يعود إلى ألفاظ قد يستدعيها سياق الغضب في لوم أو توجيه ، أو عقوبة بسبب العبث أثناء المحاضرة ، فكان مما قال : هذه الجامعة التي أكرمتك بالعمل فيها هذا الزمن الطويل تستحق منك أن تكون أكثر انضباطاً !! . ألهمني الله – سبحانه وتعالى – ألا يستفزني الغضب ، ورأيت الحيرة والعجز عن الجواب في عيون الأستاذين الشاهدين ، فقلت بنبرة محايدة : ليست جامعة الكويت التي أكرمتني بالعمل فيها هذا الزمن الطويل ، بل أنا الذي أكرمتها ببقائي للعمل فيها ، بكل طاقة الأداء الذي أصنعه ، وأعرف قدره ، وإذا لم تكن جامعة الكويت راغبة في استبقائي ، فطريقة فصم العلاقة معروفة لك ، وبسيطة جداًً بمجرد كلمة منك !!
لقد اكتسى وجهه بنوع من الغبرة ، وملامحه بعجز ، ولسانه بعيّ لا يخفى ، في حين أسفر وجه الدكتورين أحمد مختار وعبد الحميد طلب بنوع من الاعتزاز والفرح ، عبرا عنه فيما بعد ، بكثير من الثقة ، والشعور بالكرامة . وبهت الذي سكت ، وبدأ خط التراجع ، ومحاولة التهدئة بدعوة الأستاذين للمشاركة في الكلام ، وانتهى الموقف إلى لا شيء ! وبذلك انتهت النفضة القلقاسية بالانقلاب على صاحبها الذي لا يزال يعيش في الحقيقة ، وغادر الجامعة وهو يحمل المشاعر ذاتها إلى اليوم ، وأدعو الله له بالشفاء !!