البرغوث في السفينة !! – 10 مايو 2018

البرغوث في السفينة !! – 10 مايو 2018

معزوفة على وتر الحنين
البرغوث في السفينة !!
مع الاعتذار ، وتحية إكبار لأمير الشعراء أحمد شوقي ، وقد نظم حكايات تربوية أخلاقية لتوجيه الأطفال ، نشر بعضا منها في الجزء الأول من الشوقيات (طبعة 1998)، ونشرها الأستاذ محمد سعيد العريان كاملة (55 حكاية) في الجزء الرابع من الشوقيات ، الذي صدر بعد رحيل أمير الشعراء . كان من بين هذه الحكايات ، ما جرت أحداثه في سفينة نوح – وقد شملت كل أنواع الحيوان ، بما فيها المفترسات ، مثل : الذئب ، والثعلب ، وبنت عرس ، وقد تخلت عن طباعها ، بأمر نبي الله نوح ، طوال إقامتها في السفينة ، غير أن كلا منها كان يدبر لما بعد السفينة ، وكيف يستعيد طباعه ، ويستولي على فرائسه ، وكأن أمير الشعراء يرى – بحق – أن الطبع غالب ، مهما تظاهر الأفاقون بغير ما يضمرون .
وهذه حكاية عن البرغوث في السفينة . نضعها على النمط نفسه ، ونهديها إلى أمير الشعراء ، وننصبها رصداً للغافلين ، والمغفلين :
يحكى أن سفينة نوح حين ضاقت بما فيها من حيوان ، بقيت طائفة لا تجد لها مكاناً ، فأحالهم نبي الله إلى “قشرة بيضة” عائمة على وجه اليم ، وأمر هذه الطائفة بالقفز إليها . تعجبت الحيوانات .. غير أنها أطاعت ، فهذا أمر نبي !! قفز الفيل في قشرة البيضة التي اهتزت قليلا ، ثم استقرت ، وانتحى جانبا ، فقفز الجمل إلى جواره ، وحدث الشيء نفسه ، ثم قفز الثور ، فاهتزت قشرة البيضة ثم توازنت ، وأخيراً قفز البرغوث ، ولكنه لم يلزم جانبا ، وإنما أخذ يقفز من جانب لآخر : يقلق هذا ، ويلدغ ذاك ، ويدخل في أذن آخر ، فارتبك توازن قشرة البيضة ، وما لبثت أن غرقت بكل ما تحمل بسبب هذا البرغوث .
في قسم اللغة العربية (كلية الآداب – جامعة الكويت) ضم أكابر علماء مصر : عبد السلام هارون – شوقي ضيف – محمد زكي العشماوي – يوسف خليف ، فاتسع لهم القسم ، كما اتسع لطموحات الجيل التالي ، الذي كنت أنتسب إليه ، وعشنا سنوات وسنوات في سلام ، وأمان ، واحترام علمي متبادل ، وخبرة إنسانية راقية ، ثم حدث ما هو معروف من اختلاف حول “كامب ديفيد” وتوجهاتها ، فزايد على السادات من زايد في مصر كما في خارجها ، وكان من بين المزايدين “برغوث” ، ادعى أن السادات يضطهده ، ومن ثم يطلب من معارفه (القوميين) من الكويتيين ، بالجامعة أن يعملوا على إنقاذه !! فعرضوا عليه أن يلحقوه بجامعة صنعاء (وكانت جامعة الكويت هي التي تتولاها) أو ينتظر للعام التالي ، إذا تمسك برغبته في العمل بجامعة الكويت ، فأبدى تفضيله للانتظار عاماً ، وبالفعل جاء في العام التالي ، فكان أن قفز البرغوث في قشرة البيضة التي اتسعت للجهابذة المحترمين ، المشهود لهم بإجماع عصرهم وحتى يومنا بالعلم والحكمة والإنسانية ، ولكن “برغوثنا” القادم من جامعة القاهرة ، راح يستعلي على الجميع ، ويقفز من جانب إلى آخر ، وما لبث أن تنكر للقوميين الذين يسروا طريق وصوله ، والتصق – لا نعرف كيف – بأدعياء اليسار في إدارة الجامعة ، فوجد عندهم قبولا ، وأصفاهم مودته – ولو مرحليا – حتى لقد حدثني كبير القوميين الذي أحضره ، أنه ضاق بالبرغوث ذرعا ، وأنه ما كان يعرف شيئا عن شروره حتى عاينها ، وأنه يتمنى لو فاجأه على باب الطائرة حين عودته من أجازته في مصر ، ليعيده على الطائرة نفسها ، لتكون تشهيرا به ، غير أن الأديب القومي – وقد فقد ثقته في البرغوث كاملة – قال : ما أخشاه إذا فعلت ما أتمنى أن يتاجر بها في مصر ، ويكسب من ورائها ، بدعوى أننا طردناه من جامعة الكويت لعلمه وفضله ، وريادته ، وليس لأنه : “برغوث” !!
ولا يزال البرغوث يقفز .. ويلسع !!

اترك تعليقاً