طاقة نظيفة – 24 مايو 2018
معزوفة على وتر الحنين
طاقة نظيفة
في الطريق إلى مصيف (مدينة الغردقة) تمر بالزعفرانة ، وبعد مراحل تمر بوديان جبل رأس غارب . بين الزعفرانة ورأس غارب ترى حقولا مزروعة بالأعمدة حاملة المراوح الهوائية ، التي تولد طاقة نظيفة بفعل حركة الرياح .
استدعت الذاكرة هذا المشهد الذي رأيته غير مرة في الطريق إلى الغردقة ، وكم كان يعجبني الحركة الجماعية المتناوبة للمراوح ذات الأذرع الطويلة وهي تولد الطاقة النظيفة ، تؤدي وظيفتها بغير منٍّ ولا أذى … استدعت الذاكرة هذا المشهد وأنا أقلب قائمة الأسماء المثبتة على جهاز المحمول ، فانتبهت إلى وجود أسماء (عزيزة) رحلت عن دنيانا منذ سنين ، ولم أفكر في إزالتها عن مواقعها السياقية المستقرة مع تسليم بأن سبل التواصل معها منقطعة إلى حين !!
من هذه الأسماء : عزازي على عزازي !! هل تذكره ؟ مثله لا ينسى .. فهو أنقى صيغة ناصرية شعبية نزيهة . عرفته عن طريق الدكتور مصطفى الضبع . فلم ننقطع عن التواصل بين حين وآخر ، طالما كان محرراً بمجلة الحزب الناصري ، إلى أن حملته تيارات السياسة إلى موقع “محافظ الشرقية” ، فكففت عن طلبه تقديراً لأعباء موقعه الجديد ، ولكنه أبداً لم يقطع التواصل ، وظللنا على هذا إلى أن زحف النمل الأبيض على السلطة ، فاستقال عزازي في ذات اليوم ، وعادت علاقتنا – عبر الهاتف – كما كانت ، غير أن نداء الحق استدعاه وهو في ريق شبابه ، فبقيت الذكرى العزيزة ، وبقي الاسم مضيئا على شاشة المحمول .
أما ” فارس عزيز” فقد فوجئت به يصلح سيارته أمام مكتبي بالمعادي ، وتقف إلى جواره ابنته الشابة ، المدرسة بروضة الأطفال المواجهة لمكتبي . نظرت إليه وقلت : يؤسفني أن القدر المتاح من المعونة هو أن أقدم لك شربة ماء في هذا الحر ، فامتلأ وجهه الطيب بابتسامة واثقة ، وقال : عطل السيارة بسيط ، وسأنهيه واشرب الماء في مكتبك . وقد كان ، فعرفت أنه مهندس بحري ، تجول بين موانئ العالم . وجدتها فرصة ليحدثنا عن تجربته في الصالون الشهري الذي أقيمه . وهكذا بدأت بيننا صداقة متينة بالمعنى الحقيقي للصداقة . وذات مرة قال لي : هل تعرف أنني قبطي ؟ قلت : وما أهمية أن تذكر ذلك ؟ مرحبا بك صديقاً ، واستمر هذا زمنا إلي أن استجاب لنداء الحق .
أما آخر من تتسع لهم الأبجدية من مولدات الطاقة النظيفة فهو الدكتور ماهر يوسف (ابن أختي هانم) ، كان ماهر مغرما بجده (أبي) وكان يقول : منذ رأيت جدي حسن لم تمتلئ عيني برجل في كماله ! وكان يعتبرنا آباء له ، وأخوالا كذلك . تخصص ماهر في القطن ، وكم كشف لنا عن (مؤامرة) استبدال الكانتلوب بالقطن المصري ذي الشهرة العالمية ، لم يكن الكانتلوب هو الهدف ، وإنما الغنيمة الثمينة ماثلة في بيع أراضي محالج القطن التي لم يعد لها وظيفة بعد انحسار زراعته ، وقد بيعت بأسعار عبثية لأصحاب النصيب من أهل السلطان وخصيانه ، لتتحول إلى ثروات متراكمة لمن لا يرقبون في هذا الوطن إلاًّ ولا ذمة . كان ماهر يوسف يملك العلم بالقطن زراعة وصناعة ، ويملك العلم بماكينات الحلج وما يتبعه ، وكان عضوا دائما في الوفود المصرية دون واسطة ، إذ كانت واسطته علمه ، وإتقانه للغات الأجنبية بحيث لم يكن يجرؤ وفد بأن يواجه جهة أجنبية في غياب الدكتور ماهر يوسف . إلى أن لبى نداء الحق .
هذه الأسماء الثلاثة أهم مولدات الطاقة النظيفة التي لا تزال تعمر صدري .