قرن الخروب !! – 31 مايو 2018
معزوفة على وتر الحنين
قرن الخروب !!
هبط علينا – ذات خريف – في ساحة دار العلوم (المنيرة) ، بقوة الإعلان عن حاجة الكلية إلى معيد . كان قد مضى عليه في التدريس بالمدارس الإعدادية بضع سنوات، عزلته تماما عن أجواء البحث ، ومعايشة النضوج . مع هذا بدأ يتودد إلينا نحن طلاب الفرقة الرابعة الذين نقاربه عمراً ، ولكن طبائعنا ، وأقصد المجموعة المتفوقة التي تعد نفسها مالكة مفاتيح الكلية – لم تستجب له ، فقد بدا لنا مفتعلاً ، حتى في مشيته ، كان وصفه أحد أساتذتنا : (منشّي) ، ملووح/مفتول مثل قرن الخروب ، ومع ذلك اقتربنا منه بعد أن أسند إليه تدريس مادة “التدريبات” ، ودرجاتها تعطى على المكشوف . أي أن هذا المعيد القادم من الريف يملك أن يمنحنا من الدرجات (قصدا) ما يشاء دون مراجعة . كانت هذه طبيعة المادة .
بعد فترة تعودناه ، واقتربت أحاديثنا من شئون العاطفة والحب والبنات في الكلية ، فأبدى رغبته في أن يتزوج من بنات الكلية ، ولكنه – كما عبر عن نفسه – يخشى أن التي يختارها توافق عليه ، لأنه – كما يقول – أستاذ بالجامعة !! ولم يكن أكثر من معيد حديث التعيين !! وكنا نسمع ونبتسم ، وبعد أن ينصرف نسخر ونتهكم ، غير أن الأمر تحول من الكوميديا (الفارس =المهزلة) إلى التراجيديا العبثية ، حين وقع اختياره – من طرف واحد – على ذات العيون الخضر (نبيلة) وهي التي آثرها قلبي زمن نضجه ، وكانت فتاة رزينة جداً إلى درجة أن أحد أصدقائي كان يطلق عليها (البجم) ، وكنت أتظاهر بالغضب لهذا الوصف ، واعتبر صمتها وتجنبها لأحاديث زملائها نوعا من الترفع ، والتحفظ الأخلاقي . وهذا بطبيعته يروق العاشق ، ويعد خيراً من العكس (أن تكون فتاة مهذارة تتحدث مع الجميع ، ولو تحت ذريعة الزمالة ) .
هكذا أخذ قرن الخروب يلوك الحديث عن نبيلة ، غافلا أو متغافلا عن حالة القلق التي بدأت تنتابني ، وتؤثر في تحصيلي العلمي ، فضلا عن خوفي من تحامله عليّ في درجة مادته ، حتى أنني عبرت عن هذا الخوف إلى أستاذي وصديقي الدكتور عبد الحكيم بلبع – طيب الله ثراه – فقرر من جانبه أن يحتاط للأمر ، وطلب من صاحبنا – صراحة – أن يطلعه على كشوف درجات مادته !! فاحتمى بسرية الكشوف ، فزجره الأستاذ ، وقال له : أنا عضو كنترول ، وأستاذك ، فأنا مؤتمن على سر الدرجات رغم أنفك . مع هذا كان قرن الخروب محايدا بالسلب ، فمنحني ، ومنح منافسي المعروف نفس الدرجة في مادته ، تاركاً المواد التحريرية تحكم بيننا .
حين تناهى إلى قرن الخروب أن بعض الدكاترة الشباب يزورون بيتي (في فم الخليج) وقد يتناولون الغداء عندي ، دخل حومة المنافسة ، فأحضر من قريتهم التي لا نعرفها (بطا ودجاجا .. إلخ) وعزم الدكتورين المقصودين ، دون أن نشارك في الموضوع مع أننا كنا أشبه بالحزمة الواحدة ، وذهب الدكتوران ، وتغديا ، وتناولا الأمر باسلوبهما المرح ، إذ زعما – والعهدة عليهما – أنه احضر من البلد بطة ضخمة ، في حلة واسعة جدا ً ، وبعض الدجاج في حلة أخرى ، قدم هذا كله على المائدة ، كما جاء من (البلد) ، ووصف أحد الصديقين هذه الوليمة بأنه كان ينقصها توزيع (ماكينة حلاقة) لإزالة الزغب عن جسم البطة المسكينة !!
جاء يوم تزوج فيه ممن لا أعرف ، وحصل على الدكتوراه ، وألف في النحو ، ولم يهدني أي كتاب ، كأنما كانت نبيلة التي لم يتزوجها احدنا تقوم حاجزاً أبديا بيني وبينه ، في حين أنني اقتنصت من شخصيتها ، ما صورته في “سامية” بطلة روايتي (الشعلة وصحراء الجليد) ..