شجرة الليمون (1) – 3 سبتمبر 2018

شجرة الليمون (1) – 3 سبتمبر 2018

معزوفة على وتر الحنين
شجرة الليمون !!
نازعني هذا العنوان طويلاً ، ربما لأنه يفقد خصوصيته تجاه من أود أن اعرض للجانب الممكن من علاقتي به ، فشجرة الليمون استعارة أو رمز قام في نفسي ، واحتضنه خيالي ليعبر من خلاله عن نوع من الصداقات ، أو العلاقات التي تفتقد حميمية الارتباط ، وصدق العواطف المتبادلة . أما وجه الشبه فلأن شجرة الليمون لا غنى عن ثمرها ، فالليمون شفاء ، وفي مصر يطلقون على السلالة المصرية من الليمون : (البنزهير) ومعناها بالفارسية : (المضاد للسموم) ، فلا يزال الليمون مدخلا للشفاء عن طريق الشراب ، ولا تزال رائحته العطرة تحمل شذا خاصاً يميز المكان ، ويحببه إلى النفوس ، غير أن ثمرة الليمون – في تجربتي المحدودة – تضرب حراسة مشددة على ثمراتها ، من أشواك حادة لا تكاد تُرى ، غير أنها دامية شديدة الإزعاج حين تصيب اليد الممتدة للاقتطاف . فكأن ثمرة الليمون تتقاضى ثمنها من دم جانيها قبل أن يمسها بيده أو بأسنانه .
أما العنوان الآخر الذي نازع شجرة الليمون في تصدر هذه الصورة التقريبية ، فكان : “الهويس” – والهويس – كما يعرفه أهل مصر – ممر مائي ضيق عادة ، صاخب شديد الصخب ، مزعج شديد الإزعاج ، ومثير ، وفاصل بين حالين ، أو وضعين ، مع هذا فهو الفاصل الواصل ، الذي لا غنى عنه لإتمام مقاصد السير أو السباحة .. إلخ .
فهل صاحبي – الذي سأذكره – كان كذلك ؟ أستبعد مطابقة الوصف بالهويس ، وأجد في نفسي قدرا من الرضا بشجرة الليمون ، وبخاصة أن أشخاصاً كثيرين مرت بهم مسيرتي الحياتية كانوا من صنف أشجار الليمون . على البعد : لهم شذى جاذب ،و خضرة آسرة ، وتشكيل فني بديع ، فإذا اقتربت – بأكثر من المأذون لك – نالك من الأشواك ، والإزعاج ما توقعت وما لم تتوقع .
كتبت عنه قبل أن أراه ، فقد كنت مواظبا على اقتناء وقراءة روايات نادي القصة حين كانت تحمل شعار (الكتاب الذهبي) الصادر عن دار روز اليوسف ، غير أنه حدثت فرقة لا أعرف أسبابها ، وأصبح (الكتاب الفضي) بديلا عن الكتاب الذهبي ، ويحمل شعار نادي القصة كذلك ، وكانت أول رواية وجدتها بين يدي من هذا الكتاب الفضي تحمل عنوان : “هارب من الأيام” – تأليف : ثروت أباظة ، وجهلا مني ، ولأنني لم أكن قرأت لثروت أباظة من قبل ، فقد قلبت صفحات الكتاب بكثير من الحذر ، والتوجس الذي راح يتمكن في وجداني فصلا بعد آخر . وبالطبع – تضاعف عجبي حين رأيت هذه الرواية ممثلة على شاشة التلفزيون ، يلعب بطولتها نجم نجوم زمانه عبدالله غيث .
أعود إلى رواية “هارب من الأيام” ، وأقلب غلافها الداخلي لأجد تعريفا بالمؤلف ، وهو أباظي عريق لا يحتاج إلى تعريف ، غير انه شاب لم نعرف له إنتاجا أدبيا من قبل ، مع هذا يشير الغلاف الداخلي إلى أن أول إنتاجه رواية باسم :”ابن عمار” كتبها – فيما ذكروا- وهو في السادسة عشر من عمره !!! ولم أستغرب أن ابن باشا تنتظره باشاوية وراثية يكتب رواية في هذه السن المبكرة ، فأصحاب النفوذ يحق لهم كل شيء !! وزاد عجبي واقتناعي بفكرتي عن المؤلف أن مقدمة الرواية كتبها (طه حسين) بجلالة قدره ، وقد احتجت إلى زمن طويل لأقتنع بأن فتى “الأيام” الضرير البائس ، في جزء من وعيه ، أو لا وعيه ، يكمن باشا آخر يحتفي بأبناء نظرائه . غير أن مقدمة طه حسين ما لبثت أن أثارت قلقا متزايداً في نفسي ، وتسليما بالتهمة التي أقنعتني بها صفحات الرواية بفصولها المتتابعة ، ذلك لأن نقد طه حسين لرواية “هارب من الأيام” لم يعرض على الإطلاق – أو على الأقل في جوهره – للمضمون المجتمعي ، والصراع الطبقي في موضوع الرواية ، ومن ثم لم يظهر له موقف من طرفي النزاع في القرية المصرية ، التي كانت تبدو معاصرة ، وليست مثل عزبة الكيلو – موطن طه حسين الأول – في مطلع القرن العشرين . في مقدمة العميد اتجه إلى إثارة قضية فلسفية ، خلاصتها : علاقة الإنسان بالزمن ، وهل يستطيع مخلوق أن يتجاوز الزمان أو يتحرر من تأثيره ؟ هذه خلاصة الصفحات – تقريبا – التي كتبها طه حسين ليذهب إلى صديقه القديم (أبي العلاء المعري) وتلمس جوانب من علاقة الإنسان بالزمن ، وحلمه بأن يتحرر منه ، وعجزه عن تحقيق هذا الحلم في شعر فيلسوف المعرة !!

اترك تعليقاً