الأصل وتقليد الأصل – 18 أكتوبر 2018

الأصل وتقليد الأصل – 18 أكتوبر 2018

1- اللؤلؤة : الأصل وتقليد الأصل .
” … ولقد كان أبو دبّوبة الزنجي ، مولى آل زياد ، يقف بباب الكَرْخ ، بحضرة المُكارين ، فينهق ، فلا يبقى حمارٌ مريضٌ ، ولا هرم حسيرٌ ، ولا متعب بهيرٌ ، إلا نهق . وقبل ذلك تسمع نهيق الحمار على الحقيقة ، فلا تنبعث لذلك ، ولا يتحرك منها متحرك ، حتى كان أبو دبوبة يحركه . وقد كان جمع جميع الصور التي تجمع نهيق الحمار ، فجعلها في نهيق واحد . وكذلك كان في نباح الكلاب . ولذلك زعمت الأوائل أن الإنسان إنما قيل له : العالم الصغيرُ ، سليل العالم الكبير ؛ لأنه يصور بيديه كل صورة ، ويحكي بفمه كل حكاية ، ولأنه يأكل النبات كما تأكل البهائم ، ويأكل الحيوان كما تأكل السباع ، وأن فيه من أخلاق جميع أجناس الحيوان أشكالاً “
2- المحارة :
-هذه إحدى إبداعات الجاحظ ، التي ظاهرها الهزل ، والمسامرة ، وباطنها الإدراك العميق للطبائع ، وأسرار التعبير ، والغرائز ، وقدرات الإنسان على المحاكاة ، وفي هذه العبارات القليلة ، ينقل إلينا خبراً طريفاً عن عبدٍ (رقيق) زنجي يجيد التقليد إجادة عالية الدقة ، بدرجة أنه في تقليده يحاكي الأصل بما يتجاوز قدرات هذا الأصل نفسه ، ولهذا عبر الجاحظ بأن نهيق “أبو دبوبة” أو نباحه ، كان يثير شهوة الحمير للنهيق ، وشهوة الكلاب للنباح ، أكثر مما تثيرها أصوات النهيق الحقيقي الصادر عن الحمر ، أو النباح الحقيقي الصادر عن الكلاب .
-وهنا يمكن أن تثار قضية فنية مهمة ، قد نعود إليها ، ونقدم براهين إضافية عليها ، وهي أن التقليد يمكن أن يكون (أكثر أصالة وإتقانا ، ومن ثم إقناعاً) من الأصل نفسه . وهذه قضية نقدية ، وليست مجرد خبرة طبيعية ..
-الكرخ : منطقة شرقي بغداد ، على نهر دجلة ، تاريخيا كانت موطن شيعة بغداد .
-المُكارين : جمع مُكار ، وهو من يؤجر دابته للانتفاع بها ، وأمثاله في مصر : يطلق عليهم : الحمارين .
3- الهيــر :
-” النص من كتاب “البيان والتبيين” لأبي عثمان عمرو بن بحر الجاحظ – تحقيق وشرح شيخنا العلامة عبد السلام هارون – ج1 – الناشر : مكتبة الخانجي بمصر 1960– ص69 ، 70 .

اترك تعليقاً