سطوة الفن – 20 ديسمبر 2018
1- اللؤلؤة : سطوة الفن ..
” كنا نشهد تمثيلية رواية “ابنة رولان” ونسمع فيها ألبير لمبير ومدموازيل بييرا وزملاءهما من اكابر الممثلين والممثلات . و”ابنة رولان” رواية قديمة تقص تاريخ حادثة بين الأندلسيين وشارلمان ملك فرنسا . وفيها يتحدث شارلمان عن المسلمين بأنهم كفار ، ويستنزل عليهم لعنة الله تطوّح بهم في أعماق سقر . وكان ألبير لمبير يمثل شارلمان . فما كان أشد عجبي ، وأنا أسمعه يرفع عقريته بأشد عبارات التعصب ، ويدعو قومه إلى قتال هؤلاء المسلمين الكفار ، أن أسمع عن يميني وعن يساري تصفيقاً حارا من مسلمة ومن مسلم تصحبه عبارات الإعجاب بهذا الملك المجيد .
والحق أن سمو فن الكاتب ، وعظمة الممثل وبراعته قد أنست السامعين كل ما سوى الفن والإعجاب به ، ذلك بأنه أخذ بالمشاعر جميعا ، فأنساها الحياة الوضيعة وسما بها إلى حيث لا تقدر شيئا غيره ، كائنة ما كانت المعاني التي يعبر عنها ، والصور التي يجلوها ، والعواطف التي يجيشها . وهل تريد للفن عظمة أكثر من أن يستر ما يملأ نفسك من العواطف العميقة ، ليقيم مكانها ما يناقضها كل المناقضة “
2- المحارة :
-هذه القطعة من وصف محمد حسين هيكل (باشا) ، لمشهد من عرض مسرحي حضره في باريس ، منتصف ثلاثينيات القرن الماضي ، ولم يترك لقارئه أن يستنتج المعنى الخفي في هذا الوصف ، وهو أن قوة الفن الساحرة النافذة ، القادرة على إقناع المشاهد بما لم يكن يقتنع به ، مهما لقي من عناد أو معارضة، قد تغلبت – في سياق العرض – على الموروث الديني ، الفطري ، حتى أثارت حماسة المشاهد (المسلم) ، لبراعة الأداء للممثل المسيحي المتحمس لمسيحيته ومسيحية شارلمان . فراح يصفق استحسانا .
-هذا بعض سحر الفن ، وأذكر أنني دخلت كنيسة صغيرة في أحد شوارع مدينة كمبريدج ، وأخذت أتمعن في لوحاتها المعلقة ، ومن بينها لوحة زيتية تحمل صورة المسيح ، ورآني أحد قوام الكنيسة ، فأقبل نحوي وراح يبادلني الحديث ، فكان مما قلت له : كيف تكون هذه الصورة للمسيح صادقة مع الأصل الذي لم يشاهده أحد من الرسامين ؟ والمسيح رجل شرقي كان يعيش في فلسطين ؟ وهذا الوجه الذي نراه أوروبي أشقر بشعره الأحمر ، لا يمكن أن ينتسب إلى الشرق ؟ ألا ترى أنكم صنعتم (مسيحكم) ليناسبكم ؟ ابتسم الرجل وقال عبارة موجزة جدا : معك حق !!
3- الهيــر :
-من كتاب “ولدي” لمحمد حسين هيكل – دار المعارف – ط الخامسة 1989 – ص35 ، 36 .