بين ” هَجَرَ ” و ” هاجر ” – 29 مايو 2021

بين ” هَجَرَ ” و ” هاجر ” – 29 مايو 2021

1- اللؤلؤة : بين “هَجَرَ” و ” هاجر “
” في القصيدة الخاتمة لما أبدع المتنبي في علاقته بأمير حلب : ” سيف الدولة” ، وهي الميمية المشهورة ومطلعها :
واحر قلباه ممن قلبُه شَبم .. ومن بجسمي وحالي عنده سقمُ
وفيها يبدع بيته الحكمي النافذ في غير المألوف من المعاني :
إذا ترحلت عن قومٍ وقد قدروا .. ألا تفارقهم، فالراحلون همُ “
2- المحــارة :
– مناسبة القصيدة تجسد حالة من الفجيعة بين الأمير البطل ، والشاعر النابغة ، لا تملك المصادر أن تجيب على كافة الأسئلة التي يمكن أن تثار حول امتداد الصحبة، وتفوق الإبداع، والترحل السريع الجافي .
– كان المتنبي – ولا يزال – في طابع شخصيته وطاقته الإبداعية موضع الكثير من الأسئلة ، والكثير من محاولات الجواب . ولعلنا نتذكر في هذا السياق ما سبق إليه المستشرق الفرنسي بلاشير، وما ألف طه حسين ، وما عقب به محمود محمد شاكر ، وإذا كان كل من الباحثين الكبار الثلاثة حاول أن يرسم صورة خاصة به لشاعر العربية الأكبر ، فإنه لم يستطع أن (ينسخ) الصورتين الأخريين ، بل الصور الأخرى التي حفلت بها مصادر التراث .
– في البيت السابق جرد المتنبي معنى الترحل من أصلية الإقامة ومفارقة المكان ، وجعل ذلك الترحل متوقفاً على ماهية الفراق : أسبابه وقيمته وأثره السبي ، وبذلك وضع تصوراً لم يسبق إليه لمعنى الفراق .
– ولعل الفرق بين لفظ (هاجر) بمعنى انتقل، ومنه (الهجرة النبوية) ، ولفظ (هجر) بمعنى تجنب ورفض ، ومنه (الهجر من القول: أي الفحش في العبارة) يقرب إلينا تلك الإشارة النافذة التي “انتقم” بها المتنبي لما لحقه من إهانة معلنة وجهها إليه أميره المحبوب .
– تعكس هذه القصيدة الختامية – في توجهها العام – اعتزازاً من المتنبي لذاته ولشعره الذي يراه الأعمى ، ويسمعه الأصم .. إلخ ، بما يؤكد أن مفارقته لمجلس سيف الدولة ينبغي أن ينظر إليها في صورة عكسية تناقض المألوف من المعاني المقررة .
– على أن المتنبي – ولم يجد البديل (العربي) الذي يحل في مكان سيف الدولة ، فاختار مضطراً (!!) أن يلجأ إلى كافور – قد اصطحب معه أحزان الفراق، فكانت أول كلماته في البلاط البديل ( كفى بك داءً أن ترى الموت شافيا) .
– وتبقى مرثيته لأخت سيف الدولة علامة كاشفة لمسارب الماء تحت الأرض الجافة، بمثابة دليلٍ (إضافي)، على أن ما كان بين أمير حلب، وشاعره أقوى وأغنى من علاقة الإعجاب الشخصي، أو الرغبة في الاستحواذ، أو عشق المال، فعلى سلامة كل هذه الدوافع تبقى هنالك دوافع نفسية خفية ، لعلها الأكثر غنى واقتداراً على تفسير هذه القصائد النادرة في تاريخ الشعر العربي .
3- الهيــر :
– اللؤلؤة من ” شرح ديوان المتنبي ” وضعه عبد الرحمن البرقوقي – دار الكتاب العربي – بيروت – المجلد الثاني – الجزء الرابع – ص80 .

اترك تعليقاً