فن اصطناع الأولياء !! – 3 نوفمبر 2022

فن اصطناع الأولياء !! – 3 نوفمبر 2022

1- اللؤلؤة : فن اصطناع الأولياء !!
جاء في كتاب “الفرج بعد الشدة” هذا الخبر القصصي :
“دعا المأمون يوماً بـ”أبي عباد” (أحد كُتاب الخليفة)، فدفع إليه كتاباً مختوماً ، وأمره أن يأتي “عمرو بن مسعدة” ( أحد وزراء المأمون) ، فيناظره على ما فيه باباً ، باباً ، ويأخذ تحت كل باب خطه فيه (أي توقيعه) ، ويختمه بخاتمه، وخاتم عمرو ، ويحتفظ به إلى أن يسأله عنه ، ولا يذكره ابتداءً ، وأكد على ذلك ” .
2- المحــارة :
– هذا الخبر الذي أورده القاضي “أبو علي المحسّن علي التنوخي” ذكره في سياق [ الفرج بعد الشدة ] = الأزمة يعقبها الحل، فكأنها الشكل التراثي الأقرب إلى فن القصة القصيرة .
– أما المضمون فيذهب بنا إلى مجال آخر يختلف كثيراً؛ إذ نعرف من بقية الخبر أن الكاتب قصد الوزير، وقدم إليه ما طلب الخليفة، فشعر الوزير على الفور بأنه وقع في كارثة، وأن هذه مكيدة دبرت له، ليفتضح أمره من خلال الإقرار ممتلكاته المتنوعة التي أخفاها، من البيوت، والضِّياع، والأموال .
– استنجد الوزير “عمرو بن مسعدة” بوزير قديم، ليساعده على كيفية التعامل مع هذا الإقرار المطلوب، وما سيؤدي إليه من كشف أسراره . فتهكم به الوزير القديم، فأخبره بأنه سبق له أن تلقى ورقة مثل هذه من أمير المؤمنين، ولم يرد عليها، واستكثر على الوزير أنه يعمل مع خليفة لا يعرف طباعه الحقيقية .
– وشرح الوزير المتمرس مراد “المأمون” من هذا الكشف التفصيلي، وهو أنه يريد أن يبعث الطمأنينة في قلب وزرائه، بأن يعرفوا : أن الخليفة يعرف ، أو يمكن أن يعرف تماماً كل ما يملكون، وما يخفون ، ولكنه – حسب النص – أراد أن يخفف عن وزرائه ضغوط التستر على ممتلكاتهم ، بما يعني أن الخليفة يقر لوزرائه بكل ما حصلوا عليه ، ولا يريد لهم أن يتملكهم القلق ، اعتقاداً منهم بأن الخليفة لا يعرف حجمها ولا تفاصيلها .
– وهكذا انتهى الأمر بالصحيفة/الكشف المطلوب، على أن أملى الوزير القديم الرد عليه، فبعد إحصاء الممتلكات، كتب اقراراً بأن الوزير يملك (أربعين ألف ألف درهم) ووقع باسمه تحت هذا الرقم، ثم أضاف عبارة معناها: أن هذه المبالغ قليلة بالنسبة لكرم أمير المؤمنين، وقليلة كذلك في مقابل ما يبذلون من جهد في خدمته ، صيفاً وشتاءً ، ليلاً ونهاراً .. إلخ . ثم ختم هذه الإضافة بعبارة: “وأرجو أن يطيل الله بقاء أمير المؤمنين، ويبلغنا فيه ما نأمله به، وعلى يده ” .
– حين ذكرت هذا الخبر لصديق مشغول بالكتابة السياسية، أقر ما يدل من معرفة القادة الكبار بانحرافات أتباعهم، غير أنهم يرون أن إقرارهم على هذه الإنحرافات يضمن ولاءهم، وذكر الصديق لي: أن أحد أقطاب المعارضة وقف أمام الرئيس الأسبق حسني مبارك معرّضا بانحرافات رجاله من أهل السلطة، وذكر أرقاماً وممتلكات ، فضحك الرئيس وقال متباسطاً : “هل هذا كل ما تعرفه” ؟!
3- الهيــر :
– اللؤلؤة من كتاب “الفرج بعد الشدة” للقاضي التنوخي – هذبه وقدم له : الدكتور محمد حسن عبدالله – دار قباء للطباعة والنشر والتوزيع – 2000 – ص 272 .

اترك تعليقاً