في المنهج .. [النموذج الإنساني] – 14 مارس 2019

في المنهج .. [النموذج الإنساني] – 14 مارس 2019

1- اللؤلؤة : في المنهج .. [النموذج الإنساني]
” وقد يتكلم المغلاق الذي نشأ في سواد الكوفة بالعربية المعروفة ، ويكون لفظه متخيراً فاخراً ، ومعناه شريفا كريماً ، ويعلم مع ذلك السامع لكلامه ، ومخارج حروفه أنه نبطي . وكذلك إذا تكلم الخراساني على هذه الصفة ، فإنك تعلم مع إعرابه وتخير ألفاظه في مخرج كلامه ، أنه خراساني . وكذلك إن كان من كُتاب الأهواز .
ومع هذا إنا نجد الحاكية من الناس يحكي ألفاظ سكان اليمن ، مع مخارج كلامهم، لا يغادر من ذلك شيئاً ، وكذلك تكون حكايته للخراساني ، والأهوازي ، والزنجي ، والسندي ، والأجناس … نعم حتى تجده كأنه أطبع منهم ، فإذا حكى كلام الفأفاء، فكأنما قد جمعت كل طرفة في كل فأفاء في الأرض في لسان واحد . وتجده يحكي الأعمى بصور ينشئها لوجهه ، وعينيه ، وأعضائه ، لا تكاد تجد من ألف أعمى واحداً يجمع ذلك كله ، فكأنه قد جمع جميع طرف حركات العميان في أعمى واحد”
2- المحارة :
– هكذا يعبر الجاحظ – منذ ألف ومائتي عام – عن ما يطلق عليه النقد الحديث : “النماذج الإنسانية” ، ويوازن الجاحظ بين حالتين : حالة المتصنع الذي يريد أن يضلل غيره عن حقيقته ، فيتكلم بغير لهجته ، أو يتزي بغير زيه . فهذا مصيره إلى أن تكتشف حقيقته .
– الحالة الأخرى تنتمي إلى الفن ، وليس إلى التصنع ، وبذلك يؤصل الجاحظ ما يعرف الآن بالشخصية الإنسانية أو النموذج الإنساني ، فليست كل شخصية في الرواية أو المسرحية تعد نموذجاً إنسانياً . إنها لكي تحقق لنفسها هذا المستوى العميق ، فإن المؤلف يجمع فيها كل أو أهم صفات هذا النوع ، وقد ضرب الجاحظ مثلا بمن يقلد الفأفاء ، ومن يقلد الأعمى ، فإنه يجمع من الصفات مالا يمكن أن يجتمع في المصاب الطبيعي بالفأفأة أو فقد البصر ، ولكنه في حالة (التقليد الفني) يكون أكثر إقناعاً . لنتذكر بخيل موليير ، ولنتذكر أبو دبوبة الزنجي الذي أشار إليه الجاحظ نفسه من قبل . وسنعود إلى الموضوع ذاته في لؤلؤة تالية .
3- الهيــر :
– اللؤلؤة من كتاب : ” البيان والتبيين” للجاحظ – تحقيق : عبد السلام هارون – الجزء الأول – ص69 .

اترك تعليقاً