شجرة الليمون – 6 سبتمبر 2018
معزوفة على وتر الحنين
شجرة الليمون !!
لقد تأكد لي من هذه المقدمة بمنحاها الذي استبعد تماما موضوع الرواية ، واحتضن فكرة فلسفية نجد صعوبة في صبها في قالب مناظر أو مناسب لأحداث الرواية ، وقد انتهى بي التفكير في هذا الأمر إلى الاعتقاد بأن طه حسين باشا ، بعد إنهاء عصر الباشاوات لا يستطيع أن يتخلى عن مجاملة واحد من الجيل الطالع من أبناء هؤلاء الباشاوات . فثروت أباظة ابن دسوقي أباظة باشا ، الذي شهر بالعطف على الأدباء والشعراء ، وهو الذي عين إبراهيم ناجي طبيبا في مستشفى السكة الحديد ، حين كان الباشا الأباظي وزيرا للمواصلات ، فلما قامت ثورة يوليو فصلت إبراهيم ناجي من العمل لأنه – في تصورهم – شاعر وليس طبيبا منتجا في حقل الطب !!
بالطبع لم يكن هذا كله مكشوفا لي في هذا السياق ، كنت (ناقما) على شخص طه حسين لأنه يجامل أبناء الباشاوات ، الذين لن يكونوا أبداً في تصوري ذاك الوقت أدباء حقيقيين . المهم أنني قرأت الرواية ، وظلت متهمة في ضميري الأدبي والنقدي إلى أن حررت رسالتي للماجستير ، وكانت عن “الريف في القصة المصرية” فكان لابد أن يأتي ذكر “هارب من الأيام” ، فاتجهت كتابتي عنها إلى أنها في جوهر مضمونها – هجوم صريح على الثورة المصرية ، وما تمارسه من محاولة إعادة تشكيل المجتمع بإعادة الاعتبار إلى الطبقتين الوسطى والدنيا ، ولن يتم هذا – في تصوري ذاك – إلا بكسر شوكة باشاوات زمان . أركان الرواية تغري بتفسيرها السياسي ، فبطل الرواية اللص الدموي ، المتواري في بلاهته يحمل اسم (كمال) وستدرك أنت إلى اليوم أن هذا الاسم ليس اختياراً ريفياً ، وأنه يحمل إيقاع ، ومساحة إشعاع من اسم آخر عزيز علينا جميعا ، حتى بعد اختلافنا عليه . وأن الفتاة التي عشقها في الحرام – ويا للعجب – اسمها (وطنية) وهو اسم غير ريفي بالمرة ، كما أن المؤلف ذكر أن وطنية بنت حرام !! فإذا عشقها كمال كان القياس يؤدي إلى اعتبار وطنية كمال الطبال بنت حرام !! فانظر إلى أي مدى بعيد ذهب بي تفسير رمزية الأسماء في هذه الرواية القديمة !!
سجلت رأيي الحر في أطروحتي ، متعصباً له ، ولكن حدث في مناقشة الرسالة أن الدكتور عبد القادر القط – وكان العضو الخارجي في لجنة الحكم – قال ما معناه : أنت ذكرت في مقدمة رسالتك إيمانك بحرية الفكر ، وحرية التعبير ، وهذا شيء طيب ويحسب لك ، ولكن ألا ترى أن ما كتبته عن إحدى الروايات ومؤلفها يناقض ذلك ، ويعرضه لإساءة لا يستحقها أو لا يستوجبها ؟ فكرت فيما يعنيه الدكتور القط ، فلم اشك أن القصد متجه إلى “هارب من الأيام” ، وما كتبته عنها محرضا على مؤلفها بأنه ضد الإصلاح ، وضد الثورة ، وان مقاصده مكشوفة تماما ، ولا أدري لماذا غفل النقاد عنها . وقلت في الرد عنها ملاحظة الدكتور القط : أدرك يا تعنيه يا أستاذي ، ولكنني لا أستطيع أن اسقط الفروق ، وبخاصة حين تكون حادة ، ومستفزة . عاد يقول : ولكنك قسوت ، وحرضت ، وهذا غير مناسب ، وأتوقع منك أن تحذف هذه الفقرة من كتابك حين ينشر . قلت معانداً : لا أظن أنني سأحذف هذه الصفحات ، وإلا فسيضيع الفرق بين الحق والباطل !! فرمقني الدكتور القط بنظرة متحيرة ، ولعله لم يجد مجالا لمزيد من التعليق ، وفي هذه اللحظة نهض محمد عبد الحليم عبدالله – أستاذي وصديقي الذي حضر المناقشة ، وكان أمام الصف الأول من المدرج ، وجذبني من طرف السترة وقال بطيبته المعهودة : قل حاضر يا أخي .. خلينا نخلص .
هذا موقف قديم مؤسس لعلاقتي بمؤلف لم أكن قرأت له غير هذه الرواية . على أنني – بفعل الزمن والحركة – لاقيته في مكان وفي سياق عقلي وعاطفي وانفعالي يناقض ذلك الموقف القديم كل التناقض .
يتبع …