زايدة !! – 8 فبراير 2018
… زايــدة !!
لست أدري حقا : هل هي “حتة زايدة” في اللسان ، أم “حتة زايدة” في الجنان (بفتح الجيم) ، أم أنها مساحة تائهة من حلم حاسة العدالة المنهكة في مجتمعنا ؟! لا يعرف الفرد إمكاناته قبل أن يقاس إلى آخرين ، أو يختبر – عمليا – في مواقف مختلفة ، وقد يكون هذا الشخص آخر من يفطن إلى وجود هذه “الحتة الزايدة” في لسانه أو في جَنانه ، إذ يراها جزءاً طبيعيا فيه ، وسليقة إلا أن ينبهه الآخرون إليها ، أو تصيبه صدمات ، أو يجني خسائر (وأحيانا فضائل) بسببها .
أذكر – حين تقدمنا بطلباتنا لتصريح العمل بالخارج ، وكنا حديثي التخرج ، وكانت وزارة التربية هي التي تتولى توزيع تلك التصاريح عبر الداخلية ، وكان هذا العمل (المؤلم) يحتفظ به الموظفون إلى ما بعد انتهاء العمل بالوزارة ، طال انتظارنا للتصاريح ، وذات يوم تجمعنا أمام الموظف/الجندي ، الذي قال باستهتار واضح : اصبروا يمكن نرحلكم الجزائر !! (وكانت الجزائر فاغرة فاها لابتلاع أي عدد من المدرسين المصريين في سعيها للتعريب ، الذي تنازلت عنه الآن ، حتى قال قائلهم : اللغة الفرنسية غنيمتنا من فرنسا، ولن نتنازل عنها) ، سمع جميع المزدحمين كلمة الموظف الهازئة بهم ، وصمتوا ، ولكن واحداً لم يصمت ، قال – وبدون انفعال – يعني إيه نترحل ؟ هو احنا ليس لنا إرادة ؟ بُهت الموظف ، واستخزى ، وقال متلعثما : فيها إيه ؟ كلنا بنترحل !
وإبان إقامتنا في الكويت ، استوطنت إحدى عمارات الحساوي (بضاحية حولي) ، وكانت هذه العمائر موزعة على هيئة مربع في وسطه ساحة يلعب فيها الأطفال . حدث أن كانت إحدى العمائر مخصصة للمستشارين (أكثرهم مصريون) وعمارة أخرى مخصصة لأساتذة الجامعة (وأكثرهم مصريون كذلك) ، وحين ينزل الأطفال لممارسة لعبهم ، وركوب الدراجات في الساحة ، يحدث أحيانا صدام بين طفل وآخر ، ويحدث أن يكون أحد الطفلين ابن مستشار ، فكان في مثل هذا الموقف يحاول إرهاب أولادنا ، برفع عقيرته : أنا ابن مستشار !! فلما كررها ابني أمامي ، قلت له : إذا قال ذلك ، أخبره أن أوائل الكليات هم الذين يختارون معيدين ، ثم أساتذة فيما بعد ، أما درجة مستشار فيشغلها رقم خمسين وما بعده ، حين يعين معاون نيابة ، وعليه أن يحترم نفسه ويصمت !!
وحين تورطت في قبول وظيفة وكيل الكلية ، كان ضروريا أن أحضر اجتماعا شهريا برياسة نائب رئيس الجامعة لإدارة الفرع ، وكان مبنى دار العلوم تحت الإنشاء ، وشبه متوقف . في أحد الاجتماعات ، قال النائب : المبنى معطل ، والمقاول لن يعمل حتى يقبض ، والجامعة لن تفرج عن الفلوس حتى ينجز !! قولوا لي ماذا أفعل ؟ سكت الجميع ، تكلمت الحتة الزايدة ، وقالت ببساطة : سيدي النائب .. هل استشرت هذا المجلس حين اختيار المقاول ؟ قال : لا . قالت الحتة الزايدة : فلماذا تلجأ إليه الآن ؟ ولم يجد جوابا !
وفي أحد احتفالات هيئة قصور الثقافة بحلوان (وكانت حلوان محافظة) كنت رئيس الاحتفالية ، وسبقني في الكلام كبار موظفي هيئة قصور الثقافة ، الذين يبدأ كل منهم كلمته بشكر سعادة المحافظ (الذي لم يحضر، ولم يرسل نائبا ، ولم يقدم مساعدة مالية) ثم يشكر رئيس الهيئة ، الذي لم يحضر كذلك ، وتكرر هذا ، فإذا وصلني الدور قلت بصوت جلي : ما معنى أن نتوجه بالشكر لكبار الموظفين الذين إذا حضروا فإنما يؤدون واجبهم ، وإذا لم يحضروا فإنهم مقصرون ؟!! لقد أصاب الهلع بعض الوجوه ، ولكن الحتة الزايدة كانت راضية تماما ، فقد قالت ما ينبغي أن يقال !!