خربتها يا سي مجدي ؟! – 4 أكتوبر 2017

خربتها يا سي مجدي ؟! – 4 أكتوبر 2017

خربتها يا سي مجدي ؟!
هل استوفت ذكريات الطفولة الباكرة ، وتداعياتها الطريفة حظها من الاستعادة والتسجيل ؟ أرجح أن “سرداب” جيمس فرويد القابع في اللاشعور لا يزال ينطوي على طرائف تستحق الصبر علي استدعائها ، على أن التمادي في هذا الجانب سيحمل معنى آخر : الهرب – أو محاولة الهرب – من ذكريات الصبا ، وبواكير الشباب ، وهي عادة ذكريات تبدو فيها طبائع الشخصية الحقيقية التي قد تنطوي(بالنسبة لي) على نوع من العصبية ، وزلات اللسان ، بل : انحرافات السلوك التي يخجل الشخص من تسجيلها على نفسه مكتفيا –ربما – بأنه رغم مرور عشرات السنين – يستدعيها فيستغفر الله من حلاوة مذاقها في فمه ، وسعادته بها حتى بعد تلك السنين الطويلة ، ولا يجد بأساً في أن يستغفر الله من زلات اللسان وزلات السلوك على السواء .
على أنه لا مفر – مادمنا قد أضمرنا تقديم صورة مستوفية قدر امكان الصدق – لحياة عادية ، وأقل من العادية في مواقف كثيرة لكنها تستحق أن توضع تحت نور الشمس ، فتكون ماثلة للعيان .
أذكر أنني كنت شديد التوق إلى الحياة العسكرية ، بطبيعة تكويني العصبي من حيث الوضوح والتحدد والصرامة ربما ، والدقة في التعامل مع الزمن . ولكن الكشف الطبي البسيط – في السنبلاوين – أعفاني من الخدمة العسكرية ، من ثم لم يكن مجال للالتحاق بهذا النسق من العمل الوطني . وكان حفظ القرآن ، والدراسة في المعهد الديني الطريق المعهود والممكن ، في أنسب صوره ، لفتى محدود القدرة ، غير أن مستوى خاصا من المشاركة العسكرية ، أتيح لي حين انتشرت في الريف المصري مراكز التدريب العسكري ، أعقاب نجاح انقلاب 1952 بقيادة محمد نجيب ، وإعلان إعداد الشباب المصري للمشاركة في قتال الإنجليز . وهكذا عرفت “تمي” الجاويش الزغبي ، ومعه مجندان من الجيش لتدريب تلاميذ القرية على السلاح . في هذا السياق العام تدربت على استخدام الرشاش الخفيف (كارل جوستاف) ، والرشاش الثقيل (برن) وطبعا – مثل إسماعيل يس ، عرفت سن نمل الدبانة ، وكنت سعيدا جدا بما حصلت من خبرة ، أفادتني كثيراً مع التكوين الفطري الذي أشرت إليه حين بدأ العدوان الثلاثي على مصر أعقاب تأميم قناة السويس 1956 (وكنت في السنة الخامسة الثانوية بالمعهد الديني) ،وقد وزعت علينا البنادق والذخيرة بلا حساب ، وكونت منا مجموعات (كل مجموعة خمسة أفراد) لتولي الحراسة في أطراف المنصورة ، واذكر أنني كنت رئيس المجموعة المسئولة عن حراسة كوبري طلخا (الذي يمر عليه القطار) ، وحراسة محطة كهرباء طلخا ، وكان من بين الفريق الذي يعمل تحت إشرافي الزميل (الدكتور)السيد السنوسي – زميل التدريس في الكويت ، ثم زميل دار العلوم بالفيوم – رحمه الله رحمة واسعة – وكان لا يحب أن اذكر شيئا عن ذلك الزمن .
ظلت علاقتي بالقيادة العسكرية لمصر عاشقة لمحمد نجيب ، حتى التأميم ، فانتقل الولاء إلى عبد الناصر ، وظل معه إلى يوم رحيله ، ولا تزال له مسارات في الوجدان وفي العقل إلى اليوم ، على الرغم من انحرافات ، أو أنواع من القصور يحكم بها العقل ، وتبرهن عليها التجربة المستمرة في حكم مصر .
من هذه المآخذ أن عبد الناصر حين أنشأ “مديرية التحرير” لتكون نموذجا للقرية الريفية في الزمن القادم ، أسلمها لضابط (من الثوار) اسمه مجدي حسنين ، وقد تصرف هذا الضابط في مديرية التحرير مثل حاكم مطلق ، ولم يُسمح لأي قلم أو فكر بنقد التجربة ، ولكن مع الزمن ظهرت تعسفات الإدارة ، وكتب أنيس منصور مقالة في الأخبار يسخر فيها من تجربة إدارة مديرية التحرير ، وكانت مقالة أنيس بعنوان “جمهورية أفلاطون أفندي” فكان هذا بداية الإذن بانتقاد تجربة المديرية ، أو إدارتها بأسلوب مجدي حسنين . كان لمديرية التحرير مخازن وجراج ملاصق لعمارة (إلهامي) بمدخل منيل الروضة ، فكنت أنا وصديق عمري المغفور له محمد المهدي نعود من دار العلوم (المنيرة) إلى شقتنا بالمنيل مشيا على الأقدام ، فنمر بجراج مديرية التحرير ، فإذا وصلنا هذه النقطة وقفنا وهتفنا معاً : سلامو عليكو ياسي مجدي – خربتها يا سي مجدي ؟ فيلتفت إلينا عمال الجراج وحراسه متعجبين . أما نحن فنمضي إلى بيتنا في سلام !!

اترك تعليقاً