هكذا الدنيا تسير !! – 17 أغسطس 2017
هكذا الدنيا تسير !!
هذا عنوان مسرحية ألفها وليم كونجريف ، غير أنني اتخذته عنوانا أتعزى به عن كل ما يواجهني من أمور لا أرتضيها ، وقد أكملتها – على طريقتي : “هكذا الدنيا تسير كما قال مولانا شكسبير”!! ، فجمعت بين عنوان المسرحية ، والكاتب الأشهر الذي لم يكتبها ، ولعل هذه الصياغة المتناقضة تعبر عن واقع إحساسي عندما انتهت محاولات الحصول على موقع في النسق الجامعي (على امتداد مصر) إلى القبوع بقسم اللغة العربية بكلية التربية (فرع الفيوم ، التابع لجامعة القاهرة) .
كان دون ذلك أهوال أخرى مصدرها قسم اللغة العربية بكلية التربية الذي يفترض أن آخذ موقعا فيه ، فقد اشتعلت حرائق ، وأعليت أكاذيب ، وأقيمت ادعاءات ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب ، ومن غرائب هذا الموقع الذي انتهى إليه المطاف أن الدكتور أحمد هيكل – أستاذي وصديقي الحميم – الذي رشحني لجامعة شبين الكوم – كان هو نفسه رئيسا لفرع الفيوم ، ونزل في عهده إعلان الحاجة إلى أستاذ نقد أدبي ، ولم ينبهني إلى ذلك ، وتلك إرادة الله ومشيئته !
لم يخالط ضميري أي شعور بتواضع المكان أو المكانة لإيماني القدري بأن ما تحصل عليه هو قدرك ، ومصيرك ، فلم أكن أعبأ بهوان الوصف “بالإقليمية” عند متغطرسي المثقفين ، وحتى بعد أن استعنت -إبان الصراع مع أعضاء قسم اللغة العربية بالتربية – بزوج ابنة عمي ، وكان عميداً لكلية العلوم بجامعة القاهرة ، فظننت أن له تأثيرا محتملا فيما أواجهه ، ولكنه فاجأني بقوله : بصراحة .. مشاكل الكليات الإقليمية تُحل على المصطبة !! لزمت الصمت ، وقلت في نفسي : لا حول ولا قوة إلا بالله ، واستدعيت من التاريخ ما كنت أعرفه جيداً من سيرة المتنبي ، وسيرة ابن خلدون ، إذ كان الأول مستميتا في أن يرسله كافور الإخشيدي حاكما على إقليم الفيوم ، وكان الآخر –مؤسس علم الاجتماع ، وقاضي قضاة الفيوم – يلح في العودة إلى منصبه بعد أن أُقيل منه !! وهكذا تحظى “الفيوم” – مدينة وإقليما- بقيمة خاصة شرحها وعلل لها جمال حمدان العالم الفريد في عصرنا الحديث . فهكذا صالحت نفسي (على طريقة أم كلثوم ، وشاعر الشباب أحمد رامي : في قولهما ” غلبت أصالح في روحي”) فاصطلحت بفاعلية إيمانٍ بقدر الله السابق بعلمه ، وثقة بأن المكان يستحق وصفه من قاطنيه ، وليس العكس .
داعبني خاطر أن أختار عنوانا لهذه اللمحة وهو :(مهزلة كابوسية) – وهو مصطلح مسرحي ، فالمهزلة (Farce) أهون فناً ، وأقل قيمة من الكوميديا ، ثم يأتي وصف الكابوس تأطيرا وختاما لهذه المهزلة ، كما شاهدنا ونشاهد في مسرحية : ريا وسكينة التي أعدها بهجت قمر عن حادثة مشهورة ، وكان هذا حالي – بالتقريب – في محاولة الحصول على (فرصة) للعمل الجامعي على امتداد جامعات مصر ،ولكنني عدلت عن هذا العنوان المستهين ، والمقبض بدرجة ما ، لأن الأمور تطورت في غير هذا الاتجاه الكابوسي . وهنا صدق قول الشاعر الفارس الجاهلي ( معقر البارقي ) :
فألقتْ عصاها واطمأنتْ بها النوى كما قَر عينا بالإيابِ المسافرِ
هكذا استقرت صورة الفيوم ، مدينة وبشراً في وجداني ، ولم أكن أبداً أحسب أن الزمن (الباقي من العمر) سيتسع لنحو ثلاثين عاما من العمل الجامعي ، ومن المعاشرة الطيبة لأهل تلك المدينة طلابا وغير طلاب ، بحيث اختلفت النهايات – إلى الصورة العكسية تقريبا – عن تلك البدايات التي عانيت فيها متاعب لا تحتمل التفصيل ، أو مجرد الإشارة إليها . فأذكر أنني حين تسلمت وظيفتي (قسرا تقريبا) ألقى إليّ القسم بمقرر مغضوب عليه عن أدب الأطفال ،ولم تكن لي فيه خبرة غير كتاب (السندباد الصغير)الذي ألفته لتلاميذ الكويت ، فلم يمنعني هذا الإحباط المتعمد من تأليف كتاب أعتز به كثيرا ، وتدرسه أقسام متعددة في جامعات مختلفة وعنوانه : “قصص الأطفال ومسرحهم” !!