تعليق على تعليق .. 16 فبراير 2017

تعليق على تعليق .. 16 فبراير 2017

تعليق على تعليق ..
أشار أحد الفضلاء من المعلقين على الومضة السابقة بأن طرح أسئلة حول حدود الأوطان وإمكان البيع والتبادل والزيادة والنقص . أردت بإشارتي طرح قضية علمية / تاريخية نشاهدها اليوم فيما يجري في السودان مثلا ، وفي عصر القيصر الروسي وجد أنه ليس بحاجة إلى مزيد من آلاف الكيلو مترات من أرض جليدية ، فعنده سيبريا وفيها كفاية لأن تكون منفى لكل خصومه ، وهكذا تنازل لأمريكا عن ألاسكا مقابل المال ، ولعلنا نستعيد جانبا من الحروب بين ألمانيا وفرنسا حول تبعية إقليم الإلزاس واللورين ، كما أن إنجلترا / منذ ربع قرن فقط خاضت حربا قاسية ، ضد الأرجنتين لتحتفظ باستعمارها لجزر فوكلاند !! هذه حقائق تاريخية ، ومكون أساسي في مفهوم ” الصراع ” من أجل البقاء والهيمنة . كما أن هناك ما هو من عطاء الطبيعة ، كترسبات النيل على امتداد الدلتا عبر العصور القديمة . اقرأ رواية ” ثرثرة فوق النيل ” وتمعن عبارة ” ولا شاهد إلا الدلتا ” لتدرك أبعاد إشارة نجيب محفوظ إلى الدلتا ، كما أننا إذا أتيح لنا أن نطلع على خرائط مصر القديمة ، وحتى عصر الفتح الإسلامي ، لن نجد دمياط ، ولا رشيد ، ولا طنطا على الخريطة بما يعني أن الدلتا كانت تتوقف قبل ذلك بعدة كيلو مترات ، وإن كانت الإسكندرية في مكانها !!
هذا ما أردت الإفضاء به . أما ما يتعلق بجزيرتي تيران وصنافير ، فله سياق آخر ، وقد أشرت إلى جانب من هذه القضية الخلافية بإيراد شهادة المسرحي الألماني الأشهر ” بريخت ” في مسرحيته : ” دائرة الطباشير القوقازية ” وليس هذا تجنبا للكلام في السياسة ، فحياة الأوطان ليست مجرد ” سياسة ” إنها قضية وجود وكرامة !
هناك فرق دائما بين ما يقال ، وما ينبغي أن يقال عند آخرين ، وهنا أذكر هذه الحادثة النادرة ، وكنت طرفا فيها ، مشاركا بالصمت ، الذي لم أندم عليه . في عام 1958 فازت قصتي القصيرة ” سطوحي ” بالجائزة الأولى لمسابقة نادي القصة على الجمهورية العربية المتحدة ( مصر وسورية ) كنت طالبا منقولا إلى السنة الثانية بكلية دار العلوم ، ولك أن تتصور مقدار فرحي بتصدر المسابقة وبالجائزة ، وبميدالية طه حسين الذهبية ، وبتسلم الجائزة من يد وزير التربية ( كمال الدين حسين ) عضو مجلس قيادة الثورة .. إلخ . نشرت القصة بمجلة التحرير في الأسبوع التالي لإعلان الجائزة ( أكتوبر 1958) كما نشرت مقابلة معي ، استنادا إلى أنني الفائز الأول ، فلابد من صورة ومن حوار !! وقد أخذت الصورة ، وأجري الحوار ولا أذكر أنني قلت فيه شيئا طريفا ، أو مهما ، وفوجئت – على صفحات المجلة – بأن حوارا آخر ألفه المحرر وأسنده إليّ ، فقد زعم أنه سألني ” ماذا سأصنع بالستين جنيها التي فزت بها ؟ فكان جوابي كما وصفه : أنني قلت له بعربية فصحى يحسدني سيبويه عليها : إنني سأبدأ بأكلة كباب عند الشيمي !! ” وأقول لك بعد مضي ستين عاما على نشر هذا الحوار المحفوظ على صفحات مجلة التحرير : إنني لم أقل هذا الكلام ، وفضلا عن ذلك ، لم أكن أكلت الكباب في حياتي ، ولم أكن سمعت باسم كبابجي الشيمي !! حين التقيت بمحرر الحوار سألته : لماذا صنعت حوارا لم يكن ؟ فأجاب على سؤالي بسؤال : ألست ترى أن ما وضعت على لسانك يحمل طرافة تجعل القارئ يقبل عليه ، ولا أريد أن أقول إن ما وضعت على لسانك هو ما كان ينبغي أن يقال !!
أعجبني منطقه ، ولم أوجه إليه أية ملامة ، بل أصبح صديقا على الرغم من أنه كان شاعرا ( على أد حاله ) ، وغادر مصر للعمل بإحدى صحف السعودية ، فشاركني مغامرة الرحيل عن الوطن إلى الوطن الأكبر ، وحين التقينا بعد فراق طويل ، زار صالوني في المعادي ، وتحدث به ، ولكنه لم يذكر تلك الحادثة القديمة . وكذلك لم أذكرها !!

اترك تعليقاً