تمرد العقل النقدي.. 19 ديسمبر 2016

تمرد العقل النقدي.. 19 ديسمبر 2016

تمرد العقل النقدي..
قرأت في إحدى الصحف المصرية (أمس 18 ديسمبر) كلمة واحدة منسوبة إلى بابا الفاتيكان فرنسيس الأول، قالها في وصف فكرة التقدم في العمر في ذكرى مولده الثمانين، هذه الكلمة الوحيدة هي وصف تلك المرحلة من العمر بأنها “مخيفة” !!
سأستبعد جانباً أنني أسن من قداسة بابا الفاتيكان بما يقارب العامين ومع هذا لا أشعر بأنني أجتاز مرحلة من العمر مخيفة، أو أنني مقبل على نهاية/ بداية يمكن أن توصف بأنها مخيفة. بل إنني أميل إلى وصف تلك النقلة ما بين الحياة والموت بأنها مثيرة للدهشة ولا تخلو من غرابة وعجائب الاكتشاف. لكن يلفتني أن قداسة البابا -وهو ظل المسيح على الأرض- لم يحاول أن يخفي ما أبديت من وصف الدهشة بل أضاف أيضاً ما يدخل تحت الوصف بالخوف فإذا كان كبير الأساقفة لا يشعر تماما بالطمأنينة المطلقة مع التقدم في السن والاقتراب من موعد لقاء الله كما قدره سبحانه، فمن الذي يشعر إذن بهذا الشعور ؟!
إنني مقتنع إلى حد كبير بأن الفرق الواضح بين النهج الفكري الغربي والنهج الفكري في بلادنا الإسلامية يستند إلى هذا الأساس نفسه فالعقل الغربي يؤمن بالتجريب، وبنى حضارته على هذا المنهج التجريبي الذي يقوده العقل ويحدد نتائجه بلا مواربة أو تهرب أو تمحك في مصادر أخرى للحصول على معيار الصواب والخطأ ومقياس ما يجوز وما لا يجوز، وقد كان الشرق العربي الذي يعيش في أوطان مشمسة مشرقة وبحار دافئة متقدما ومهيمنا بالضرورة على العالم البعيد عنه وكان نموذجا يحتذى عند القادمين من بلاد الضباب والظلام والثلوج.. إلخ.
وقد حدث احتكاك ميداني وعلمي بين جماعة الشمس الساطعة وجماعة الضباب والظلام في مرحلة الحروب الصليبية كما في البلاد الأندلسية وفي منطقة آسيا الصغرى (تركيا) فبدأت بلاد الضباب والثلج والظلام رحلة التأثر ببلاد الشمس المشرقة وبنت حضارتها على علوم وفلسفات عربية وإسلامية لا سبيل إلى إنكارها عند المقرين، أو الجاحدين على السواء غير أن العقل الغربي القادم من ظلمات بلاد الضباب اهتدى إلى المنهج التجريبي وعده -بحق- المقياس الوحيد لاختبار المعرفة وإقرار الصواب في حين ظل شرقنا يتسكع على أبواب المأثور والفولكلور وما كان عليه آباؤنا فظل يراوح في مكانه ولم يجرؤ -إلى اليوم- على الاحتكام إلى العقل وإلى منطق التجريب ولهذا تظل الأمور عنده في منطقة أنصاف الحلول!!
يحضرني في هذا السياق أن الدكتور أحمد زويل حين زار وطنه الأول (مصر) عقب فوزه بجائزة نوبل في العلوم كانت القضية الشاغلة للمجتمع المصري هي قضية الخلايا الجذعية وإمكانية استثمارها في تعويض علل الجسد البشري. وتبدو الطرافة والمفارقة القاسية في تعليق أحمد زويل الذي قال ما معناه: إنني تركت الأمريكان يناقشون نفس القضية التي تناقش الآن في مصر، مع فارق واحد: الذين يناقشون قضية الخلايا الجذعية في أمريكا هم علماء الأحياء والطبيعة والطب والوراثة.. إلخ، أما في مصر فإن الذين يناقشون قضية الخلايا الجذعية هم رجال الدين أو علماء الدين.
والفرق بينهما واضح..

اترك تعليقاً