اختيار ” فاروق شوشة ” – 24 أكتوبر 2016

اختيار ” فاروق شوشة ” – 24 أكتوبر 2016

اختيار ” فاروق شوشة “
أشرت قبل إلى قدرة الشاعر المثقف المبدع ” فاروق شوشة ” على حسم مواقف الاختيار من خلال وعيه بذاته وبصيرته النافذة في الاحتمالات عندما يعاني الإنسان أن يكون على مفترق طرق ، ويطلب منه الحسم والقرار الذي لا رجعة فيه .
من هذه المواقف اختياره لأن يكون إعلاميا ، وشاعراً ومبشرا بثقافة راقية وإيجابية ، وتفضيل ذلك على أن يكون حاملا لدرجة الماجستير ، ثم متطلعا إلى الدكتوراه ، ثم منتظراً لما تغري به الدكتوراه من شغل وظائف هيئة التدريس في إحدى الجامعات .. إلخ .
وقد حدثني فاروق شوشة – في مناسبة أخرى بعيدة زمنيا – عن اختيار آخر اجتازه بلباقة ومهارة ، وكانت بصيرته النافذة ووعيه بالاحتمالات على رأس الأدوات التي أتاحت له هذه الخصوصية السلوكية المهذبة التي تقول كل شيء دون أن تلحق أذى بأي أحد .
أذكر أنه حين شغل الدكتور أحمد هيكل – رحمه الله – منصب وزير الثقافة ، وكنت حينها أستاذا بجامعة الكويت ، فلما نزلت إلى مصر في عطلة الصيف ، ولقيت الوزير ( الأستاذ والصديق القديم والدائم ) فتحدثنا في الشأن الثقافي العام ، وفيما يلقى من مشاكسات من بعض أجهزة الوزارة ، أو الموظفين القدامى على التحديد ، فسألته : لماذا لم تفكر في الاستعانة بمحبيك ومريديك ليكونوا من حولك لحراسة خططك وأهدافك بما يجعلك قادرا على تحقيق رسالتك ، وبخاصة أنك تدخر الكثير من التطلعات والأمنيات والمشاريع في هذا الاتجاه الثقافي ؟
فقال – وأرجو أن أكون متذكراً ألفاظه بذاتها ، وليس بالمعنى فقط – : لقد فكرت في هذا فعلا ، وعرضت على فاروق شوشة أن أنقله إلى وزارة الثقافة بدرجة وكيل وزارة ، ولكنه اعتذر عن قبول العرض !!
استقبلت هذا القول بقلق ، فلست أظن أن مثل فاروق شوشة في خلقه الذي نعرف ، وصفاء نفسه الذي نصادف في تعاملنا الطويل معه ، يمكن أن يتخلى عن الوفاء لصداقة العمر مع الدكتور ” أحمد هيكل ” ولعلي سألت نفسي أيضا : هل يحق لي أن أفضي لفاروق شوشة بما قال الوزير الصديق ؟! وبعد تردد ومناقشة طويلة مع النفس ، وربما وفاءً لحق الطرفين ومكانهما في نفسي رأيت أن أحدث فاروق شوشة بمقولة هيكل . وقد كان .. مع حرص من جانبي على ألا يبدو ما أقوله موشحاً بأية نبرة تجاوز العتاب بين الأصدقاء أو الرغبة في احتمال إعادة العرض إذا ما كان هناك ما يحول دون تحقيقه .. مثلا ، ولكن ما قاله فاروق شوشة لي كان جامعا مانعا ، وكان مهذبا ومنطقيا ، ولذلك ظلت الصداقة ممتدة بينهما ، محافظة على دفئها ، وصفائها حتى آخر الزمن المشترك بينهما .
أما السبب الذي أبداه فاروق شوشة في اعتذاره عن عدم قبول عرض صديقه الوزير ، فكان في أن ما عرضه الدكتور هيكل عليه هو أن ينقل خدماته إلى وزارة الثقافة ليشغل درجة وكيل الوزارة لشئون مكتب الوزير !! ومن ثم فقد رأى فاروق أن هذا العرض لا يثبت موقعه في الوزارة لأنه مرهون بوجود أحمد هيكل في موقع الوزير ، فإذا ما حدث وتغيرت الوزارة ، أو تغير الوزير فإن الوزير القادم سيفضل مديرا لمكتبه من اختياره الشخصي ، وبذلك يكون فاروق شوشة غادر بيته الإعلامي الذي رسخت أقدامه فيه ، وتحددت أهدافه به ، ليسكن مؤقتا في موقع أشبه ما يكون بالحياة في الشقق المفروشة !!
التشبيه الأخير من عندي ( بالطبع ) ، وقد احتفظت بجواب فاروق لنفسي ، فلم أبلغه إلى هيكل على الإطلاق ، ولا لأحد غيره احتراماً للصديقين .
رحم الله أحمد هيكل .. رحم الله فاروق شوشة ..

اترك تعليقاً