قصيدة : رثاء صديق غريق – 6 ديسمبر 2021
الصيد السمين .. من معجم البابطين (127)
المعجم من هذا النوع (الشعر) والمستوى (الموسوعي) لا يصح أن يأخذ مكانه زينة (ثقافية) فوق الأرفف .. إنه حياة شاملة، وخبرة متجددة، تنادي من يتفاعل معها .
* * *
الماء : صانع الحياة .. صانع الموت !!
رثاء صديق غريق
لدى الفُلك توليها الرياح تهجمـــاً .. تأبـــط نهـــرَ النيـــل جبـرانُ مرغما
تأبطه واستطــرد السيــر مسرعاً .. فســـالت أمـــاقينا علـــى إثـره دما
طفا فوق بحر الرومِ كالبدر طالعاً .. فصـــح لنـــا تشبيهنـا البحرَ بالسما
وهاب سناه الحوتُ في برج نوره .. فـــراح حسيـــراً لم ينل منه مطعما
غــــداة رآه اليــــم أكبـــر قيمــــةً .. من الـــدر مختــاراً له القلب منجما
وأين ندى كفيكَ أثرى به السِّـوى .. زمـــانا فلمـــا غــاض أصبح معدما
فلا نالنــــا من بعــده الدهرَ فاجعٌ .. وجادت ثراه المُزن تنهل في الحمى
* * *
شاعر القصيدة: أمين يوسف الخوري (1852 – 1919) عاش في لبنان، ومصر، والسودان .
•القصيدة كما أوردها” معجم البابطين لشعراء العربية في القرنين التاسع عشر والعشرين” في ( 7 أبيات ) ، وهي من ( بحر الطويل ) . والأبيات السبعة – في عرف الشعر العربي – تمثل الحد الأدنى لمفهوم القصيدة ، وما دون السبعة الأبيات يطلق عليه (قطعة، أو مقطوعة) !!
•القصيدة على إيجازها، وأنها مبكرة زمنياً ، فقد اهتدت موهبة صاحبها إلى معنى “الوحدة” في استلهام مصادر الصور والمعاني؛ إذ تعود العبارات التي شكلت السياق إلى مادة (الماء) .
•طبيعي أن عنوان القصيدة يعلن عن هذه الصلة (النقيض) بين الماء والموت، فقد مات الصديق غريقاً، وكان يمكن أن تغلب معاني الرثاء المألوفة تراثا، والمتداولة في مقام الحزن على الموقف. ولكن الشاعر – بحدس فطري ملهم – ظل في دائرة المحرك الأساس للفاجعة ، وهو الماء !!
•لم يقف عند ذكر (نهر النيل) ، و(بحر الروم)، وإنما مضى يقلب صفات الماء ، والأفعال السياقية التي يستدعيها أو تستدعيه .
•فهنا نجد مفردات : الدم ، والمآقي “قرين الدموع” ، فضلا عن الفعل : سالت ، والفعل : طفا ، والتعبير عن البحر باليم ، وعن الدمع بأنه غاض، كما ذكر المُزن التي تنهل في الحمى !!
•وحين أراد أن يعبر عن مهابة الصديق المرثي، فقد اختار له صورة عبر عنها بأن: هاب سناه الحوت في برج نوره!! فاختياره للحوت، وهو يقصد (النجم) إنما يستحضر حوت البحر، وبذلك ظلت القصيدة في دائرة معرفية محددة، دون أن تكون مفتعلة، بل على العكس: فإنها تحمل إحساساً عميقاً، ومعرفة واسعة بمصادر الشعر والشعرية .
* * *
التوثيق : المعجم – المجلد الرابع – ص683 .