العامية المصرية .. والمعضلة النحوية !! – 28 مارس 2024
العامية المصرية .. والمعضلة النحوية.. !!
مما روت المصادر النحوية (التراثية) بيتاً من الشعر لراجز لم تُعرف هويته، يقول :
حتى إذا جن الظلام واختلط … جاؤوا بمذق هل رأيت الذئب قط ؟
من ناحية المعنى : هذا البيت في الهجاء ، فقد اضطرت الظروف الشاعر أن يلجأ إلى قبيلة للحصول على طعام، فأطعمته، ولكن ما قُدم إليه لم يعجبه، فقد انتظروا عليه (جائعاً) حتى هبط الظلام، وحينئذ قدموا إليه حليباً ممزوجاً بالماء، مما استدعى أن يهجوهم بهذا البيت الذي يعبر عن الحليب بالمذق، أي المخلوط ، ووصف هذا المخلوط بأنه يشبه لون الذئب ، أي أنه أغبر !!
من ناحية الإعراب النحوي : أثار هذا البيت مشكلة، لأن “هل رأيت الذئب قط” جملة استفهامية طلبية. وخلاصة اختلاف النحاة : أن هذه الجملة الطلبية لا تصلح أن تكون جواباً للشرط (إذا) ، ومن هنا اجتهد بعض النحاة في التأويل، فرأوا أن الجملة الاستفهامية “هل رأيت الذئب قط” على تقدير صفة لـ”مذق”، وتصبح العبارة بمثابة “جاءوا بمذق مقول في وصفه : هل رأيت الذئب قط ” .
وقد يبدو لنا الآن هذا الكلام ملغزاً، أو ناقصاً وغير مفهوم، غير أن العلاّمة المرحوم الأستاذ الدكتور “أحمد مختار عمر” – الصديق القديم – أنعش الذاكرة المعاصرة بمثال متداول في العامية المصرية، يمضي في ذات التركيب اللغوي، كأن يقول أحدنا: “ولما صارحته بهذا الكلام، صار وجهه شُفت الليمونة” فعبارة (شُفت الليمونة) تساوي “هل رأيت الليمونة”؟ لا يقصد بها الاستفهام وإن جاءت على صيغته، وإنما يقصد الوصف، بأن وجهه صار أصفر !!
وهكذا استطاعت العامية المصرية أن تسهم في حل معضلة نحوية، ظلت معلقة لعدة قرون !! .. ورحم الله “أحمد مختار عمر” ..