كلمة للدكتور مصطفى الضبع ..

كلمة للدكتور مصطفى الضبع ..





الموضوع

وجهان للقمر ( 1 من 2)
الوجه الأول
تكريم صاحب أكاديمية التصالح مع النفس
إلى الأستاذ الدكتور محمد حسن عبد الله
لن أدخل مجال الرؤية التعبيرية منمقا من الكلمات ما أراه يليق بالمناسبة أو ما يراه الآخرون نوعا من الوفاء لأستاذ أو التعصب له ( وإن كان التعصب مقبولا فيما يتعلق بالنفوس والأرواح بوصفها جنودا مجندة أو بأصحاب الوعي السليم إذا ماعايشوا أصحاب الرسالات).
ولأن القلوب لا تعرف المناسبات، فالمناسبات أعياد نسبية ولحظات زائلة بزوال موضوعها، يبقى أثرها بوصفها حدثا (والأحداث منها الإيجابي ومنها خلاف ذلك)، لكنها في ذاتها تفتقد القدرة على البقاء في النفوس السوية، وإنما هي فرص ننتهزها وقد نختلقها للتعبير عن مكتنزات جوارحنا، وقد جُبِلت النفس الإنسانية على أن مشاركة الأحداث مدعاة لاكتمال السعادة بها ، فالوحدة لا تخلق مناسبة ولا سعادة لوحيد ولا حياة تروق لمنفرد (حتى الجنة نفسها موصوفة بمن فيها من الأبرار مجتمعين لا منفردين والحور العين جمع لا مفرد والحياة الإنسانية قائمة على التعدد والجمع لا الانفراد)
ولأنني أدرك حجم مشروعك الإنساني (نعم هو كذلك) فمن يستهدف الإنسان، ومن يكون التسامح عنوان معاملاته، ومرجعية قراراته، ومن يمتلك هذا الكم من التصالح مع النفس والتسامح مع الجميع لهو صاحب مشروع إنساني أصيل ، فما أكثر الذين حازوا علما ولم يصلوا إلى درجة من الإنسانية تبقيهم في مضمارها لذا فقدوا القدرة على صياغة مشروع ذي قيمة.
لن أقول إنه تكريم متأخر ، سأتذكر أولا مقولة العقاد عندما سألته المذيعة يوما لما لم يقم لك تمثال فكان رده : أن تسألي لماذا لم يقم لي تمثال خير من أن تسألي لماذا أقيم ؟ ، والسؤال لماذا تأخر سؤال لا يعني المكرم بقدر مايعني أنه جدير ولكن الوعي بالجدارة غاب عن دوائر متخذي القرار ، وربما نستريح لتأويل أن كل شيء بقدر لنغلق دائرة تأويل الحدث غير أن (الحتة الزائدة ) بتعبير حضرتك تفرض علينا أسئلة ، أو تعطي الحدث مداه المغاير حين نتأمل الحدث في سياق اللحظة التاريخية ، وكل حدث هو نص قابل للقراءة والتأويل مهما كانت رؤية الذين يحصرون النصوص في وسيطها الورقي فقط.
سعادتنا بالتكريم لا تنسينا تأخره أو تأويل تأخره ، وسعادتنا باللحظة لا تفوت علينا فرصة تأويلها وقراءتها بوصفها حلقة من سلسلة ( أجتهد ألا أقارب أي جانب من جوانب المشهد جاعلا من كلمات اليوم مشاركة بسعادة اللحظة ، غير أن الثمالة أحيانا لا تكون بطعم الرشفة الأولى لذا سأنتقل للوجه الآخر من القمر غدا بمشيئة الله).
التهنئة هنا واجبة للمكرم، لكنها تتسع لتكون للذين يرون جدارة المكرم بتكريم تأخر، والذين كان التكريم منيتهم منذ زمن لا لشيء إلا لأنهم يرون أن الأمور لا تواتي نصابها وأن الريح (لا أقول الرياح) قادرة على توجيه دفة السفينة للهلاك غير أنها لا تستطيع نزع فكرة من الرأس أو الوقوف في وجه موقف إنساني واع.
ربما يرى البعض أنني أحمل الأمر أكثر أو أتعسف في التأويل وعلى طريقة أبناء البلد مادام الأمر تم فلا مجال للهم، ولكن السعادة لا تنسينا أن مقولة شوقي ” كلنا في الهم شرق” لم تعد صالحة إلا بتناص مختلف لتكون:” كلنا في الشرق هم”.
وربما يبصم البعض بمقولة : ذكر الجفاء في وقت الصفاء جفاء وذكر الصفاء في وقت الجفاء صفاء ” غير أنهما معا سلسلة تسم الحياة الإنسانية فمن رحم الجفاء يولد الصفاء ، أتذكر مأثورتك : “في كل بلاء لطف” ، وما الصفاء إلا استراحة استعدادا لتقبل النقيض ، والفائز في الحياة الذي يرى وجهيها ، ويتحسب للحظاتها دون أن يجرفه تيار اللحظة المواتية عن الوعي للمقابل.
أستاذنا سعدنا بالتكريم وقرأناه جيدا ، وحيرنا سؤال هل هو تكريم واحد ولم ؟ فالحقيقة عندما نكرم إنسانا لمجموعه نظلم كثيرا من خارطته الإنسانية المكتنزة بالتفاصيل الجديرة بالتكريم في كل جوانبها .
دائما رأيناك أهلا لكل تكريم وتقدير ، ويليق بنا أن نراك في حال وفي كل يوم جديرين بأن نرى وجودك في ذاته تكريما لنا وللحياة واللحظة التي نكون فيها في معيتكم .
وعندما يكون وجود الإنسان تكريما للحياة فإنا صعودنا في سلم القيم يكون خطوة صحيحة في اتجاه صحيح.
دمت لنا كما نجدك دوام وجودك المكرم من قبل ومن بعد.
قد تكون صورة ‏شخص واحد‏