
المقالة
شاعر النيل
بعــد نصـــف قــــرن
في الحادي والعشرين من يوليو سنة 1932 أنهى حافظ إبراهيم حياة حافلة بالشعر والنوادر والنشاط الاجتماعي والثقافي المتنوع . الآن وبعد نصف قرن ، وبعد أن صدرت دراسات متعددة عن فن حافظ وحياته ، وبعد أن طُبع ديوانه كاملا محققا ، نجد لزاما علينا أن نغتنم المناسبة لنعود إلى هذه الجهود المبذولة عبر خمسين عاماً ، لنتعرف من خلالها على الشاعر وفنون شعره ، ونحاول أن نراه في مرايا معاصريه ، ونحاول مرة أخرى – على قدر الاستطاعة – أن نرى موقعه من حركة الشعر العربي المتجدد ، ودوره في تأصيل هذا الفن ، وتمكين شخصيته ، المستمدة من جذوره ، والمزدهرة في أشكال يتقبلها العصر وسيلة وغاية .
ومن المعروف أن الشاعر ” أحمد شوقي ” قد توفي بعد حافظ بنحو شهرين ونصف الشهر ، وله فيه مرثية تعدّ من عيون المراثي الحديثة ، ولكن ما يهمنا الآن ، أنه قد يبدو من الصعب أن نفرد الحديث عن أحدهما ، برغم تنوع إبداعات شوقي ، وزخارتها بروح الأصالة والابتكار ، ولا يعني هذا ، مطلقاً ، التقليل مما بذل حافظ في تجديد ديباجة الشعر العربي ، استمرارا لما بدأه البارودي ، الذي أنهى عصر تدهور الثقافة الأدبية العربية .
لقد ربط القدر بين حافظ وشوقي ، إذ وُجدا في عصر واحد ، وفي بيئة واحدة ، وقد يُحسب عاملُ المنافسة بين الشاعرين كقوة إيجابية تدفع نحو الابتكار والإجادة ، ولعل هذا قد حدث بالفعل في بعض المراحل من عمريهما ، ولقد تحدثت كتابات المعاصرين لحافظ وشوقي عن التفاف بعض الكتاب والشعراء والصحفيين حول واحد من الرجلين ، وإغرائه بين حين وآخر بغمز صاحبه أو انتقاص موهبته ، أو رفع نفسه على صاحبه درجة .
ونحن الآن ، وبعد مضي نصف قرن على انقضاء دعوى المنافسة ، بخيرها الكثير، وزادها القليل ، لا نملك إلا الاعتراف بها ، بل نزعُم أن ” احمد شوقي ” كان ضائق الصدر بهذه المنافسة ، ويرى أنها تظلمه ، حين تقرنُه إلى حافظ ، وحين تقارن فنه الشعري بفن حافظ ، حتى وإن انتهت الموازنة إلى تفضيل شوقي !! يذكر بعض المعاصرين للشاعرين ذلك صراحة ، بل يذكر موقفا محددا ، جديرا بأن يروى ، لما يُعبر عن الفوارق النفسية والمزاجية بين الرجلين ؛فقد كتب الدكتور محمد حسين هيكل( باشا) مقالا في ” السياسة الأسبوعية ” بعنوان : ” شوقي وحافظ ” ، قدم فيه شوقيا على حافظ ، وقضى له بالمكانة العليا ، فلم يسلم الناقد السياسي الكبير من العتب والملامة ، والعجب هنا أن العاتب اللائم كان ” شوقي ” نفسه ، فقد كره أمير الشعراء أن يقرن اسم شاعر معاصر بإسمه ، ولو في مقام تفضيله ، وكأنه يتمثل قول الشاعر القديم :
ألم تر أن السيف يصغر قدرُهُ إذا قيل إن السيف خيرٌ من العصا
أما حافظ ، فقد بلغه ما قال شوقي في تعقيبه على مقالة هيكل ، فراح يحدث جلساءه في ألم تغلفه روح السخرية التي شُهر بها . قال حافظ لجلسائه : ” اسمعوا يا إخوان . إن أمير الشعراء قد غضب لقول هيكل في مقاله ” شوقي وحافظ ” ولم يعجبه الجمع بين اسمي واسمه ، ألم يسمعْ الناس يقولون : زفتى وميت غمر ، فهل سمعتم أن زفتى غضبت ، أو أن ميت غمر احتجت ؟ ألم يتكرر على سمعه قول الناس : سميط وجبنة – و – خيار وفقوس – و – عسل وبصل !؟ ثم تضاحك حافظ وقال : أما من يكونُ العسل ، ومن يكون البصل ، فتلك مسألة أخرى ” . ويذكر الخبرُ أن بعض جلساء حافظ حاول أن ينال من شعر شوقي ، ترضية لحافظ ، فظهرت الكراهة في وجهه ، وقال لأصحابه : إنه لا يرضى لهم أن يكونوا خبثاء أو جهلاء ، وهو لا ينكر على شوقي حقه في الامتياز والتقدم ، ولكن يكره منه هذه المواقف .
ويروي حسن الجداوي – معاصر حافظ وصديقه – عبارة ذات دلالة ، منسوبة إلى حافظ ، وإن ضمّنها رأيه في شاعرية حافظ ومجال تفوقه على شوقي ، يقول : كان حافظ يعتبر نفسه أشعر شعراء العربية في هذا العصر ، ويقول ذلك . وكان يعرف كيف يلقي شعره ، وكيف يسبغ عليه من مقدرته على الإلقاء رُواءً قد لا تجده فيه إذا ما أعدت قراءة القصيدة فيما بينك وبين نفسك ، فكان يجد من تشجيع جمهور السامعين لقصائده وكثرة ما يعيدون أمامه من طلب تكرار البيت مرة ومرات ، ما يزيد اعتقاده رسوخا في كفايته ونبوغه ، بيد أني من الذين يعتقدون أن حافظا لم يكن مخطئا كثيرا في تقديره لنفسه !!
ويقول حسن الجداوي بعبارة أكثر تحديدا : قابلته ( يعني حافظا ) بعد المهرجان الذي أقيم عام 1927 في القاهرة لمبايعة شوقي بإمارة الشعر العربي مباشرة ، وكنت قد قرأت قصيدته التي قال فيها :
أمير القوافي قد أتيتُ مبايعا وهذي وفود الشرق قد بايعت معي
فقلت له : لم هذه المبايعة العلنية ؟ فقال : أما هذه المبايعة فكانت فرضا محتوما ، وقد جاءت وفودٌ من البلاد الأخرى تبايعه ، وما كان يمكن أن تتخلف مصر . فقلت : وعلى رأسها زعيم شعرائها ؟ فقال : أنت الذي تقولها !! ويذكر الجداوي في أعقاب هذا الحوار أن حافظا أخذ يتحدث عن شوقي بإكبار وتقدير لفنه الشعري .
أما موقف شوقي من حافظ ، فإنا نجده ماثلا في مرثية شوقي لحافظ ؛ وفي ملابساتها ، فقد تأخر نظم هذه المرثية ، فقرئت لأول مرة في سبتمبر بمدينة الاسكندرية ، احتفالا بذكرى الأربعين ، وقد وُجه إلى شوقي نقد كثير لعدم مبادرته إلى رثاء حافظ ، وتصدى محرر مجلة أبوللو – وكان شوقي رئيسا لجماعة أبوللو أيضا – فدافع عن شوقي ، قائلا : ” الواقع أن هذا النقد مبني على إساءة الظن بالرجل ، وليس مبنيا على معرفة حقيقة ظروفه النفسية والصحية في هذه الآونة ” ، ويلقي اللوم على ” بطانة شوقي ” في سالف السنين .. بمعنى أنه يحمل ندماء شوقي وأصدقاءه تبعة ما أشيع عنه من استهانة بشاعرية حافظ . والحق أن مرثية شوقي في حافظ ، تعترف بمقدرة حافظ ليس في فن الرثاء وحسب، بل في صدق الشعور ونقاء السريرة ، يقول شوقي ( في رثاء حافظ إبراهيم ) :
قد كنت أوثـــــــر أن تقول رثائـي يا منصف الموتى من الأحياء
لكن سبقت ، وكل طول سلامة قــــــدرٌ ، وكل منيـةٍ بقضــاء
الحق نادى فاستجبت ولم تزل بالحــق تَحفـــل عند كل نداء
لا ينسى شوقي أن يذكر الإمام ” محمد عبده ” وقد كان هذا الإمام يرعى حافظا حين ضاقت به القاهرة عقب طرد الإنجليز له من السودان . وقد مدحه حافظ في حياته ، ورثاه رثاء حارا بعد رحيله .. وهنا يذكر شوقي : وكيف سيلتقي الأستاذ والتلميذ بعد فراق ، بوصف يُعلي من منزلة حافظ في الدنيا والآخرة ، ثم يفديه بنفسه ، ويندد بالذين أفسدوا أو حاولوا إفساد ما بينهما من ودّ عميق . فيقول :
ووددت لو أني فداك من الردى والكاذبــون المرجفون فدائـــي
الناطقون عن الضغينة والهـوى والموغرو الموتى على الأحياء
من كل هــدام ويبنـي مجــــده بكــرائم الأنقـــــاض والأشلاء
ما حطموك ، وإنما بك حطموا من ذا يحطـم رفرف الجوزاء ؟
رأي العقاد في حافظ وشعره :
الأستاذ العقاد ، جريا على منهجه في كتابه التراجم ، سواء ما كتب تحت عنوان ” العبقريات ” ( مثل عبقرية محمد ، وعبقرية خالد ، وعبقرية عمر .. إلخ ) ، أو ما يدخل في باب تاريخ الشخصيات ( مثل ما كتب عن أبي نواس ، وابن الرومي ) ، يحاول أن يجمع البناء النفسي والعقلي لحافظ إبراهيم في عبارة شاملة ، جامعة مانعة ، هي بمثابة ” مفتاح ” و ” سر ” تركيب الشخصية القادر على تفسير كافة غوامضها ونوازعها، هذا المفتاح ، في رأي العقاد ، هو ” الوسطية ” ، ويرى أن هذه الصفة قد حكمت فنه الشعري ، وعلاقاته الاجتماعية ، وموقفه الفكري والسياسي ؛ فهو أولا وسطٌ بين الشاعر كما كانوا يفهمونه في القرون الوسطى وما بعدها ، وبين الشاعر كما يفهمونه في القرن العشرين ، أي أنه وسطٌ بين النديم الذي يلقى جميع سامعيه ، ويعاشرهم في المجلس ، ويطيب خواطرهم بالمُلح والأحاديث ، وبين الشاعر الذي يخاطب قراءه من وراء المطبعة أو ستار التمثيل . وهو ثانيا وسط بين شاعر الحرية القومية ، وشاعر الحرية الشخصية؛ فهو شاعر الحياة القومية في كلامه عن اللغة الفصحى ، وعن السفور والحجاب . وعن فاجعة دنشواي ، وعن أزماتِ المال والسياسة ، ثم هو شاعرُ الحياة الشخصية في شكواه وهزلياته وخمرياته ومساجلاته ، وفيما يبدو خلاف قصائده الاجتماعية من ميول نفسه وخلجات طبعه؟ وهو ثالثا وسطٌ بين المطلعين على الآداب العربية وحدها ، والمتوسط في قراءة الآداب الأجنبية ، وهو رابعا وسطٌ بين مبالغة الأقدمين ، وقصد المحدثين ولاسيما في المديح !!
هل نستطيع ، بعد أن عرفنا رأي العقاد ، أن نقول إنه أكثر إحاطة بفن حافظ ومستوى ثقافته ، دون أن يدل على جوهر نفسه ومزاجه وخلقه ؟! ذلك أننا نجد من معتقدات شاعرنا وسلوكه ما يصعب إخضاعه لهذه الوسطية التي اكتشفها العقاد واستراح إليها ، إلا أن تُفهم الوسطية على أنها الجمع بين الطرفين المتباعدين ، وليس الوقوف في نقطة الاعتدال بين النقيضين . فبهذا المعنى سنجدها أقرب إلى ما يعبر عنه شعره ، وما يرويه عارفوه عن أخلاقه وسلوكه . ويكفي أن نتأمل قوله :
فما أنت يا مصرُ دارُ الأديب ولا أنتِ بالبلــد الطـيبِ
وقوله :
عقني الدهر ولولا أننــي أوثر الحسنى عققـت الأدبا
أنا لولا أن لـي مـن أمتي خـاذلا ما بت أشكو النُّوبَا
لنجد برمه وحزنه ومشاعر الاضطهاد والضياع تسيطر عليه ، وتدفعه إلى نُكران ما عاش به ، وله . هذا طرف ، أما الطرف الآخر فنجده في قوله في واحدة من غرر شعره ( في مطلع قصيدته الذائعة : مصر تتحدث عن نفسها ) :
وَقَفَ الخَلقُ يَنظُــــــرونَ جَميعــــا كَيفَ أَبني قَواعِدَ المَجدِ وَحدي
وَبُناةُ الأَهرامِ في سالِــــفِ الدَهـ رِ كَفَوني الكَـلامَ عِندَ التَحَدّي
أَنا تاجُ العَـلاءِ في مَفرِقِ الشَـــر قِ وَدُرّاتُــــــهُ فـــــَرائِدُ عِقـــدي
أَيُّ شَيءٍ في الغَربِ قَد بَهَرَ النا سَ جَمالاً وَلَم يَكُن مِنهُ عِندي
فأي موقف من هذين يعبر بصدق عن شاعرنا ؟؟ سنذكر هنا العبارة المروية عن قدمائنا العرب : ” رضيت فقلت أحسن ما علمت ، وسخطت فقلت أسوأ ما علمت ، ولقد صدقت في الأولى ، وما كذبت في الثانية ” !! وقبل أن نجوز إلى جوانب أخرى من نفسه ووجدانه ، ينبغي أن ننصف الرجل حيال هذا التناقض الواضح في لوم وطنه ، ثم في وضع هذا الوطن فوق النجوم ، فالصدق الفني يفترق كثيرا عن الصدق بالمعنى الأخلاقي أو المنطقي ، وهو مطابقة الخبر للواقع . الصدق الفني يعني التعبير عن إحساس راهن ، وحالة شعورية عميقة ، بوسائل فنية مقنعة ، وليس من شرائط هذا الصدق الفني أن يصدر الإحساس فيه أو الشعور عن تجربة فردية معاشة ، أو حادثة واقعية ماثلة ، ولهذا فإن معيار الصدق الفني يطبق على فنون القول الموضوعية كالمسرحية والرواية ، وفيهما من الحوادث والشخصيات ما يصلُ إلى درجة التناقض الحاد ، ومع هذا فإن الكاتب مطالبٌ بأن يكون صادقا في تصوير هذه الحوادث ، وتلك الشخصيات على ما بينها من تناقض ، فالصدق الفني يعني – في النهاية – القدرة على الاستبطان ، أي الحلول في المواقف المختلفة ، وما تستدعي من الشخصيات المتناقضة في طبائعها وانفعالاتها .
جانب من شخصية حافظ :
يمكن أن نكون أكثر اقترابا من شخصية حافظ إبراهيم ، هذا الشاعر الذي يجمع معاصروه على أنه جمع في إهابه قدراً لا يستهان به من المتناقضات في السلوك والأخلاق، لكن أعظم تناقضاته ستبدو في أن هذا الاضطراب العام في شخصه ، لا ينعكس منه شيء على شعره ، أو لا يكاد !!
يصور ” أحمد محفوظ ” شخصية حافظ إبراهيم تصويرا يثير السخرية والألم معا ، وهذا الكاتب فيما كتبه عن حياة شاعرنا ، يعدّ أهم مصدر للمعرفة به من بين معاصريه الذين خالطوه وعملوا معه . دعنا من أوصافه لإهمال نظافته ، وقذارة ثيابه رغم غلو ثمنها ، فإن الناحية النفسية والسلوكية هي ما نُعنى به الآن ، وأوصافه هذه لا تقل فداحة عن أوصافه لجسمه وملابسه . يقول أحمد محفوظ ، عن حافظ إبراهيم : كان ساذجا تلحقه بالبلهاء ، فهو يصدق كل ما يقال له .. وكان كسولا ضجرا ملولا متبرما بالناس ، يكاد لا يمد يده للسلام كسلا وضجرا .. وكان الوهم يملأ صدره ويسود ما بين الفضاء وناظره ، فيتوهم أنه مريض ، ويتوهم أنه فقير .. كان رعديدا يرعبه الخوف من التوافه، كأنه طفل صغير ملأت رأسه صور الغيلان والعفاريت !!! إلى آخر مثل هذه الأوصاف التي تدل على شخصية ضعيفة خائرة ، ذات طابع انقباضي سوداوي . وقد روى هذا الكاتب المعاصر من أخبار حافظ ، ونوادره ، ما يؤكد هذه الصفات التي تتدرج من السذاجة أو البلاهة ، إلى الجبن والكسل . فقد ذكر بعض أصدقائه أن نفحة التفاح تجلب النوم ، فكان لهذا يكثر من شمه وأكله ، بل ذكر ذلك في شعره فقال :
كم خدرت أعصاب مصر نوافح لوعودهم ، كنوافح النفاحِ
ومع خوفه من الفقر كما تقدم ، فإنه كان حريصا على لذائذ بعينها باهظة الثمن بأسعار عصره ، فكان يحب تدخين السيجار الفاخر ، ويفني منه يوميا أعدادا ، ثمنها يتجاوز دخله من وظيفته ، حتى إن زميله أحمد شوقي علق على هذا الموضوع متعجبا ، رغم ثراء شوقي ، ورفاهيته . ومن أطرف ما يروى من مواقف الطيبة التي تبلغ حد السذاجة ما يرويه معاصره الشاعر نسيم . قال : اسمعني حافظ قصيدة له – وكانت تلك عادته ، يسمع الناس شعره قبل أن ينشره – فانتحلت أكثر أبيات القصيدة ونشرتها في قصيدة لي في الصحف ، فلما قرأها أقبل علي في مقهى ” اسبلنددبار ” صاخبا متوعدا مهددا، حتى كاد يهم بصفعي ، فبادرته قائلا : مهلا يا حافظ بك إن ما كنتش آخذ منك الشعر أنت ، آخده من مين ؟ هو فيه أشعر منك في مصر ؟ فتهلل وجهه ، وأقبل يقبلني ويقول : بارك الله فيك !!
أما إهماله لواجبات وظيفته فيسرف أحمد محفوظ في وصفه إسرافا شنيعا يصل حد الإحالة ، ونحن نعرف أن هذا الكاتب ( أحمد محفوظ ) كان مرؤوسا لحافظ إبراهيم في دار الكتب ، ( أو ” الكتبخانة ” كما كانت تدعى في ذلك الزمان ) ، ولكنه كان أكثر قربا من شوقي، بل كان موظفا في مكتبه بعد الظهر ، ومع هذا فصفة إهمال الواجب الوظيفي لاصقة في حافظ إبراهيم ، حتى لقد تندر بها الأستاذ أحمد حسن الزيات في مقاله الضافي عن حياة حافظ ، وقد نشر ضمن الكتاب التذكاري ، الذي صدر عن المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب ، منذ خمسة وعشرين عاما ، يقول الأستاذ الزيات : ” فكما عطف عليه الوزير الأديب أحمد حشمت ( باشا ) فأكرمه سنة 1911 بالعمل في دار الكتب رئيسا للقسم الأدبي ، وأجزل له المرتب طمعا في مواهبه وثوابا على فضله ، حمل الوظيفة على محمل المكافأة الواجبة ، وظل أكثر النهار قاعداً في قهوة الكتبخانة ، فإذا طلب إلى الدار لعمل تقتضيه الرياسة قال للجرسون :إذا سأل عني واحد ، قل له راح الكتبخانة شوية وجاي ” !!
هكذا اجتمعت الأضداد في نفس حافظ ” الإنسان ” ، فهذا الإنسان الواهم الخائف من الأيام ومن الفقر ، لم يدفعه خوفه إلى أن يكون حريصا على وظيفته ، فقد كان يديرها من المقهى، كما تدل عبارة الزيات ، ولم يمنعه الفقر من أن يكون كريما ، بل كان مسرفا إلى درجة السفه أحيانا ، فيتصدق بربع مرتبه ، ويدفع جميع ما طلب أصدقاؤه على المقهى ، ويقيم الولائم الفاخرة ، فكان أقدر شعراء عصره على إنفاق المال ، وكان رزقه يأتيه من حيث لا يحتسب !!
لابد أن نتذكر نقائض هذه الصفات التي أسرف معاصروه في سردها ، فهذا القلق المذعور من الدنيا ، لم يحل بينه وبين أن يكون من أصحاب النوادر والطرائف والمواقف الضاحكة ، والتعليقات الساخرة ، وأيضا فإن حرصه على الوظيفة وخوفه من انقطاع راتبها ، لم يحل بينه وبين حياة الفنان البوهيمي المطلق السراح ، لا يعبأ بموعد ولا يحرص على واجب . ويناقض هذا كله أن مرحلة الاطمئنان المادي في رعاية الوظيفة لم تدفعه إلى التفرغ للشعر ؛ بل كان الأمر على العكس من ذلك ، فأخصب مراحله إبداعا ، هي تلك المرحلة المملقة الفقيرة المشردة ، ما بين عودته من السودان مطرودا من وظيفته عام 1900 ، وحتى التحاقه بوظيفة دار الكتب ، بعد عشر سنوات تقريبا .
هناك جانب إيجابي ، بل جانبان ، لابد أن يُذكرا لحافظ إبراهيم ، بل لعل في هذين الجانبين سر بقاء شعره إلى اليوم ، والحفاظ على المكانة الكريمة التي احتلها . فقد أشاروا إلى أنه قد وُلد في ” دهبية ” راسية على شاطئ النيل ، أمام بلدة ” ديروط ” في أعلى الصعيد ، وكان يسكنها إبراهيم أفندي فهمي ، أحد المشرفين على قناطر ديروط ، إذ أنه مهندس ، وكانت معه زوجته التركية الأصل ” الست هانم بنت أحمد البرصة لي ” ، فأنجبت له الطفل ” محمد حافظ ” وهو اسم شاعرنا في هذه الدهبية العائمة على صفحة النيل، وكما يقول الأستاذ أحمد أمين في مقدمة ديوان حافظ : ” فكان ذلك إرهاصا لطيفا ، وإيماء طريفا ، إذ شاء الله ألا يولد ” شاعر النيل ” إلا على ” صفحة النيل ” . هذا تصور شاعري لميلاد شاعر ، وكان يمكن لحافظ أن يولد في أي مكان آخر ، دون أن يغير ذلك من طبيعة نفسه أو اتجاه فنه .
وتلقيب حافظ بشاعر النيل له قصة ، بل قصص . يعود أكثرها ، ليس إلى المنافسة بين شوقي وحافظ ، وحسب ، بل إلى جماعات المنتفعين بالشاعرين من جيش الشعراء والمتشاعرين ، والصحفيين ، ورجال السياسة ، الذين يهمهم أن يضموا إلى صفوفهم هذا الشاعر أو ذاك !! والحق أن حافظا ، ( الملقب بشاعر النيل ) لم يقل قصيدة واحدة في النيل ، وإنما شوقي ، هو الذي أبدع فريدته المشهورة بعنوان : أيها النيل . ولم يرد ذكر النيل في شعر حافظ إلا عبورا إلى معنى ، أو تضمينا لإشارة ، كما في قوله في مطلع قصيدته : ” تهنئة أحمد شوقي ” بإمارة الشعر :
بلابل وادي النيل بالمشرق اسجعي بشعر أمير الدولتين ورجعي
بل إنه حين يعدد في أثناء قصيدته هذه ، أسماء المشهورات من قصائد شوقي يذكر من بينها قصيدته في النيل ، فيقول :
بلغت بوصف النيل من وصفك المـدى وأيام ( فرعون ) ومعبوده ( رع )
ثم يعود مرة أخرى فيقول :
أ ( من أي عهد في القرى ) قد تفجرت ينابيع هذا الفكر أم ( أختُ يوشع )
ثم يعود مرة رابعة وأخيرة ، في هذه القصيدة الحافلة ، فيقول :
أمير القــــوافــــــي قـد أتيــت مبــايعا وهذي وفود الشرق قد بايعـت معي
فغن ربــوع النيـل واعطــــف بنظــــرة على ساكني النهـرين واصدح وأبدع
ولا تنس ( نجدا ) إنهـا منبــت الهوى ومرعى المها من سارحات ورتــــــع
وحي ذرا ( لبنان ) واجعل ( لتونس ) نصيبا من السلوى ،وقســــــم ووزع
ومثل هذه الأبيات لا تدل على عناية خاصة بالنيل ، أو التفات إليه ، لم يزد الأمر على ذلك في قصيدة ” عيد الاستقلال ” ، بل إن في حديثه عن النيل في هذه القصيدة ما يثير السخرية والألم ، حيث يقول :
للنيل مجد في الزمان مؤثل من عهد ( آمون ) ، وعهد ( فتاح )
فسل العصور به وسل آثاره في ( مصر ) كم شهدت من السُّياح
بل إن شاعر النيل ، وقد شهد لأول مرة تأسيس خزان أسوان (1906) ومن ثم ألجم النهر ونقص الفيضان ، لم تجد شاعريته بغير بيتين لا قيمة لهما ، يقول فيهما :
أنكر النيل موقف الخـــــزان فانثنى قافلا إلى السودان
راعه أن يرى على جانبيه رصداً من مكايد الإنســــان
لم يقصر حافظ في باب الوصف ، وإن كان شعره فيه قليلا ، لكنه متنوع ، وعلى قدر من الجودة . وصف كساءه الجديد ، ووصف الشمس ، وزلزال مسينا ، والبورصة ، ونادي الألعاب الرياضية ، وخنجر ماكبث .. إلخ ، ولكنه لم يصف النيل ، والسبب في رأينا أن حافظا لم يكن من شعراء التأمل والتفلسف ، كما لم يكن معنيا بتثقيف نفسه ، فالنيل ليس مجرد نهر ، ولكنه حضارةٌ ووجود وتاريخ ، وجهاد عظيم بذله المصريون لاقتناص الحياة !!
ما سر تسميته بشاعر النيل إذن ؟؟
كان شوقي حريصا على لقب ” شاعر الأمير ” نظرا لمكانه ومكانته في قصر الخديوي ، فلما ألقى حافظ قصيدته في حادثة دنشواي ، ونشرتها جريدة اللواء ، التي يُصدرها الحزب الوطني ، حزب مصطفى كامل ، نال حافظ من هذه القصيدة شهرة عظيمة، فأطلقت عليه الجريدة لقب : شاعر الوطنية ، ثم : شاعر الحزب الوطني . ولكن الحزب الوطني مجرد حزب ، وهنا يسرع الشيخ على يوسف ، الصحفي الشهير ، صاحب ” المؤيد” ، فيطلق على حافظ لقب : ” شاعر النيل ” ، ومدلول التسمية أوسع مدى من ” شاعر الأمير ” الذي يحرص عليه شوقي ، لهذا ما لبث شوقي أن اهتدى إلى لقب آخر خلعه على نفسه ، وأوعز إلى الصحف أن تطلقه عليه ، وهو ” أمير الشعراء ” ، وبهذا أصبح شاعر النيل رعية لأمير الشعراء . هذا رأي عصرهم ، أما عصرنا ، فلعل رأيه يختلف !!
بين الشعر الخطابي والمدائح
من المعروف أن حافظا بدأ حياته العملية في مكاتب المحامين بمدينة طنطا ، وتنقل من مكتب إلى آخر ، دون أن يصادف نجاحا في واحد منها ، إلى أن دخل المدرسة الحربية ، ليضمن رزقه ووظيفته بعد ذلك ، ونحن نرى أن فترة عمله بالمحاماة ، وبرغم فشله فيها لصعوبة تقيده بواجبات أية وظيفة ، قد تركت في شعره أثرا واضحا ، هو هذه النزعة الخطابية التي لا تخطئها الأذن . والخطابة صنو الشعر ، أو لنقل بعبارة أكثر تحديدا : إن الشعر العربي غير بعيد عن روح الخطابة وأساليبها ، وإن الذوق العربي يستملح ذلك ويتجاوب معه ، لنقرأ لحافظ هذه الأبيات ، من قصيدة يحيي فيها العام الهجري الجديد ، على عادة زمانه .
إذا الله أحيــا أمــة لن يـــــردها إلى الموت قهــارُ ولا متجبــرُ
رِجالَ الغَــدِ المَأمولِ إِنّا بِحاجَةٍ إِلى قــادَةٍ تَبنـي وَشَعبٍ يُعَمِّـرُ
رِجالَ الغــَدِ المَأمولِ إِنّا بِحاجَةٍ إِلى عــالِمٍ يَـدعو وَداعٍ يُـذَكِّرُ
رِجالَ الغَــدِ المَأمولِ إِنّا بِحاجَةٍ إِلى عــالِمٍ يَـدري وَعِلمٍ يُقَـرَّرُ
رِجالَ الغَــدِ المَأمولِ إِنّا بِحاجَةٍ إِلى حِكمَــةٍ تُملـى وَكَفٍّ تُحَرِّرُ
رِجالَ الغَــدِ المَأمولِ إِنّا بِحاجَةٍ إِلَيكُـم فَسُدّوا النَقصَ فينا وَشَمِّروا
رِجالَ الغَدِ المَأمولِ لا تَترُكوا غَداً يَمُرُّ مُـرورَ الأَمسِ وَالعَيشُ أَغبَرُ
رِجالَ الغَــدِ المَأمولِ إِنَّ بِلادَكُم تُناشِــدُكُم بِاللَهِ أَن تَتــَذَكَّروا
فهذه الأبيات ، ومثلها عنده كثير ، خطابة ، ليس فيها من الشعر غير النظم ، ومع هذا فإن الذوق العام يستعذبها ، ويتجاوب معها ، فإذا اقترنت بالإلقاء الجهوري الفخم فإنها بالغة من نفوس الناس حدا لا تبلغه أروع الأشعار وأتقنها صناعة وأعمقها إحساسا وتصويرا !! ولقد كان حافظ يعرف في نفسه المقدرة على الإلقاء ، والاعتماد عليه في التأثير على الجمهور ، ويذكر العقاد أنه داعبه مرة قائلا : إنك بأن تملأ قوالب الحاكي ( الفوتوغراف ) ، أحرى منك بطبع صفحات الدواوين !! فكان حافظ يقول : وتكون أنت ” عقادي ” على تخت الغناء!! ويصف الشاعر عبد الرحمن صدقي حفلا أنشد فيه حافظ ، وكيف كان السامعون مسحورين بإلقائه ، يقابلون كل شطر ، بل كل لفظ بما هو أهله من حسن القبول بالتصفيق وهتاف الاستحسان ، فكان الشاعر يعود إلى ترجيع ما أنشده مرة أخرى تعميقا لأثره ، وتمكينا لوقعه . ويذكر عبد الرحمن صدقي أنه حين قرأ القصيدة مكتوبة في الصحف في اليوم التالي ؛ أي متحررة من سحر الإلقاء الخطابي، لم يجد للكثير من أبياتها هذا الرونق وتلك الجلالة التي كانت لها في محفل الأمس .
هل يمكن أن نستنتج هنا مبدأ نقديا ، وهو أن طريقة توصيل الشعر تؤثر في صياغته ، بل في موضوعاته أو أغراضه ؟ فالشعر حين نتلقاه عن طريق الإنشاد في المحافل ، غير الشعر حين يصل إلينا عبر العين القارئة في الدواوين، بما يعني أن نتلقى الشعر عن طريق الأذن يختلف عن تلقيه عن طريق العين ، وكذلك يختلفان عن تلقي الشعر عن طريق الأذن مقرونا بالحركة على المسرح . ويقاس على هذا أن الشعر في عصر الأمية الفاشية ، غير الشعر في عصر الكتب المدونة ، والتسجيل بالصوت والصورة . وإذا كانت أداة التوصيل لها أثر لا يجحد في فن الشاعر ، فإن نوعية المخاطبين لها أثر في توجيه ملكته ، وفي موقفه الفكري ، والاجتماعي ، والسياسي ، أشد خطرا ، وأقوى صلة بذات الشاعر وموقعه من عصره ؛ ذلك لأن المتلقين للشعر ، أو المخاطبين بالشعر ، هم أنفسهم ” موضوع ” الشعر ، فهم النصف الآخر ، المعادل لذات الشاعر ، والشعر هو الأداة التي تتحرك بين القطبين : الذات والموضوع ، ولابد أن تتأثر بهما على السواء .
من هنا كان اتجاه حافظ إلى المديح ، لأن عصره يطلبه ، ويجعله المدخل إلى الحياة المستقرة ، ولكن حافظا كان عفا في مديحه ، معتزا بفنه ، يمدح الشخص الواحد مرة واحدة، وليس هذا شأن الشاعر الذي يعيش على ما تجلبه المدائح ، إذ كان من طبيعة هذا الصنف من الشعراء أن يلوذ بكنف شخصية قوية ، قادرة على منح الهبات ، وبذل الحماية ، يقف قلمه، أو يكاد ، على الإشادة بفضلها ، وإذاعة أمجادها ، ولا يتجاوزها إلى غيرها من الممدوحين، إلا في النطاق الذي لا يثير حفيظتها . لقد مدح حافظ خليفة المسلمين في الآستانة ومدح خديوي مصر ، ومدح ملكها ، ولكنه إلى جانب هذا قد مدح من لم يكن باستطاعته أن ينفعه ، بل لعل مديحه يجلب عليه المضرة ، فقد مدح البارودي الشاعر بعد عودته من المنفى (1899) ، وهو رجل محطم مغضوب عليه، لا يملك لنفسه – فضلا – عن غيره – أي نفع. بل إن حافظا مدح الأموات من عباقرة الغرب ، مثل هوجو وشكسبير ، وإن يكن مدحه لهما سطحيا لا يدل على معرفة وثيقة بفنهما ، وما أسديا للفكر والأدب من ألوان التجديد . ويضاف إلى مدائحه ما وضع تحت عنوان ” التهاني ” ، وقد هنأ لطفي السيد ( باشا ) ، فيلسوف الجيل ، وهنأ طه حسين ، وهنأ ” شوقي ” وخليل مطران ، وغيرهم ، بما يعبر بصدق عن نفس سمحة ، تتسع للفرح بالآخرين ، ومن أجل الآخرين ، وتحتفي بالقيم النبيلة ، وشجاعة الرأي . فقد هنأ لطفي السيد حين استقال من الجامعة ، وكان مديرا لها ، احتجاجا على إخراج طه حسين منها ، ونقله إلى وزارة المعارف ، ضد رغبته !! وهنأ طه حسين بالمناسبة ذاتها ، وهنأ سعد زغلول بنجاته من حادث الاغتيال ، رغم أنه لم يكن من المقربين إليه . وعلى هذه المدائح جميعا لنا بعض الملاحظات الفنية :
أولا : إن مدائحه في الخلفاء والملوك والزعماء تبدو طويلة مستفيضة ، وبخاصة إذا ما قيست إلى مدائحه وتهانيه في غير هؤلاء العلية من الحكام . مع استثناء واحد هي القصيدة التي بايع فيها ” شوقي ” بإمارة الشعر ، وهذه القصيدة لها ظروفها الخاصة ، وكان لابد أن تكون طويلة النفس ، لتلائم مقدرة أمير الشعراء ، وجو الحفل الذي أعدت لتلقى فيه . أما قصيدته في لطفي السيد فإنه يهنئه والمستشار محمود غالب معا ، بقصيدة من أحد عشر بيتا ، وهنأ طه حسين ببيتين ، أما تهنئته للسلطان حسين كامل بالسلطنة فإنها تأتي في خمسة وأربعين بيتا .. وهكذا مدائحه في السلطان عبد الحميد ، وفي الخديوي عباس حلمي وغيرهما .
الملاحظة الفنية الثانية : إن قصائده في مديح الملوك والسلاطين تتميز بالرصانة والقوة ، والتزام النهج التقليدي في قصائد المديح . فهي تبدأ غالبا بالغزل ، على عادة شعراء المديح القدماء ، وهو غزل موجه منتقى ، باستطاعته أن يوحي بمرامي القصيدة ، وبصفات الممدوح فيما بعد ، وتنتهي القصيدة بالدعاء والأمل في شخص الممدوح . ولم يستصحب حافظ إبراهيم هذا الأسلوب الذي وقفه على الملوك ، إلا في مدحه للبارودي . وقصيدته فيه تنبئ عن رهافة ، وذوق ، وشجاعة ، ووفاء . يبدؤها بالغزل ، وهو غزل عفيف شفيف يليق بشاعرية البارودي وسابقة جهاده ووطنيته ، وصفات المحبوبة تشف عن صفات الممدوح . يقول حافظ :
تعمدت قتلي في الهوى وتعمدا فما أثمت عيني ولا لحظـــه اعتدى
كلانا له عذر فعـــــذري شبيبتـي وعذرك أني هجــــت سيفا مجــردا
هوينا فما هنـــا كمــا هان غيرنـا ولكننا زدنـــا مـــــع الحب ســــؤددا
وما حكمت أشواقنا في نفوسنا بأيسر من حكم السمـاحة والنـدى
نفوس لهـــا بيــن الجنوب منـازل بناها التقى واختارها الحب معــبدا
وفتانة أوحي إلى القلب لحظها فراح على الإيمان بالوحي واغـتدى
ويمضي حافظ إبراهيم ، على هذا النسق العالي من اختيار الألفاظ والمعاني ، يؤثر من هذه الألفاظ ، وظاهرها الغزل ، ما يليق ويتصل بحالة ممدوحه المجاهد القديم ، العائد من المنفى : فالهوى القاتل ، له عذر ، ومحبوبه سيف مجرد ، غير أن الهوى لم يكن سبيلا إلى الهوان ” كما هان غيرنا ” ، ولكنه زادنا سؤددا ، لأنه ضم إلينا فضيلة الجهاد ، بعد فضيلة البيان والشعر . ويستمر حافظ في مثل الألفاظ والصور ذات الومض المزدوج على موقف الغزل وموقف المديح ، الصالحة لوصف المحبوب ووصف الممدوح ، لتجعل منهما ذاتا واحدة ، ليدخل بعد ذلك في قصة اجتيازه المخاطر ليلقى هذه الحبيبة العزيزة المنال ، ولولا بطولته ما استطاع أن يصل إليها .. وهذه القصة نجد جذورها عند امرئ القيس ، منذ سما إلى محبوبته ” سمو حباب الماء حالا على حال ” ، وقد أعجب الفرزدق بمغامرة امرئ القيس فقلدها ، فأعجب بهما عمر بن أبي ربيعة فقلدهما في مغامرة ” ليلة ذي دوران”، وقد قرأ حافظ كل أولئك وأعجب بهم فقلدهم تقليدا متقنا رصينا ، وقد أحسن كل الإحسان إذ حشد تجارب الشعراء العشاق من قبله ، ليجعلها بين يدي تحيته لشاعر ، هو الوارث الطبيعي لفنهم والاستمرار الحق لهم . وحافظ في قصيدته هذه ، أو في هذا المطلع الغزلي منها بخاصة ، أقرب إلى ابن أبي ربيعة ، في اعتماده أسلوب الحوار ، وترديده القول بين الفتى العاشق وفتاته الجميلة التي يحرسها قومها ، وفي تصوير نفسه موضع إعجاب فتاته ، وتلهفها على لقائه ، فهذا مما استحدثه عمر في أنغام الغزل والنسيب . وأبيات حافظ في هذا المقام جديرة بأن تسجل وتتأمل ، لأنها تحافظ على هذا الومض المزدوج بين شخصية الشاعر وشخصية العاشق في القصة الشعرية ، كما حافظت عليه من قبل بين المحبوبة والممدوح ، فها هي ذي المحبوبة تبدي جزعها ودهشتها وإعجابها بفتاها ، وكيف تخلص إليها ، ودونها الحراسة واليقظة ، ثم إنها تتوقع أن يلحق به الأذى بسبب تلك الزيارة التي تشهر دونها السيوف ، ثم تكون خاتمة القصة في شكل ما يسميه النقد القديم : ” حُسن التخلص ” ، وهو في هذه القصيدة تخلص حسن بالفعل ، فقد انتقل الشاعر من معاني الغزل إلى معاني المديح برفق وتدرج معجب ، وهو ارتداعه عن العمل الطائش بتأثير من هذا الممدوح العظيم ، الذي تذكره النفس ف تذكر الهدى والتقى .. فكأنهما صورة واحد !!
نجتزئ من ختام القصة المغامرة هذه الأبيات ، لنرى كيف يتماشى تقليد عمر بأنفاس التجديد ، أو الاستخدام الجيد لمعنى الإيحاء ، وكيف أحسن الشاعر في تخلصه من النسيب إلى المديح :
فلما رأتنـــي مشــــرق الوجه مقبــلا ولم تثنني عن موعدي خشية الـردى
تنــــادت وقــــد أعجـبتها كيف فتهــم ولم تتخــذ إلا الطـــــريـــق المعــــبدا
فقلت : سلي أحشائهم كيف روعت وأسيـــافهم هل صافحت منهـــم يدا
فقالت:أخاف القوم والحقد قد بـــرى صدورهم أن يبلغــــوا منـــك مقصـــدا
فلا تتخذ عند الـــــرواح طــــريقهـم فقد يقنـــــــص البــازي وإن كان أصيدا
فقلـت : دعى ما تحـذرين فـــإنني أصــاحــــب قلــبا بيـــــــن جنبــي أيِّدا
فمالت لتغريني ومـــــالأها الهـوى فحــدثت نفســـــــي والضمـيــــر تردَّدا
أهـم كما همــــت فـــأذكـــر أنني فتــاك فيــدعــــــوني هداك إلى الهدى
ثم يمضي حافظ في مدح البارودي بعد ذلك ، فإذا وضعنا هذا الفيض الزاخر بما قاله في مواقف أخرى ، لأشخاص آخرين . وجدنا الإيجاز المخل ، وكأنه نوعٌ من أداء الواجب الذي يُغني فيه أقل القليل ، وهذا القليل هو والعدمُ سواء ، من الناحية الفنية ، وإن كان يُعلن عن الموقف الفكري للشاعر ، وموقعة من الصراع الدائر ، فهو مثلا ، يقول لطه حسين ، حين أُخرج من الجامعة :
قد أجدبت دار الحجا والنهي بعدك من آرائك النافعه
وأخصبت أرجاء مصر بمـــــن صير مضراً كلها جامعه
فالمعنى – كما ترى – مبتذل متداول : لم تعد الجامعة جامعة بعد خروجك منها ، وصار البلد كله جامعة بوجودك فيه . وإذا عرفنا أن هذين البيتين قد ألقاهما حافظ في حفل أقيم لتكريم طه حسين ، أقامه طلبة الجامعة له بعد فصله من منصبه ، عجبنا كيف لم تستول على شاعر المحافل والمهرجانات شهوة القول واجتلاب التصفيق والإعجاب ، ولكي نزيل العجب ينبغي أن نذكر أن حافظا كان في أواخر أيامه تقريبا ، وأن نذكر الظروف التي اخرج فيها طه حسين من الجامعة وما أحاط بها من ألاعيب الساسة والسياسة . فكان لابد من المشاركة ، وكان من الضروري أن تكون المشاركة هزيلة !!
حافظ ونقاده
ينبغي أن نعترف – ونحن نشارف الانتهاء من هذه الكلمات ، عن حافظ إبراهيم – أن هذا الشاعر لم ينل قدرا وافيا من اهتمام النقاد والدارسين ، على الأقل إذا ما قيس إلى نظيره ومعاصره أحمد شوقي . وقد يكون هذا الاهتمام المحدود ذاته حكما على شاعرية حافظ ، كما قد يكون الحكم ظالما أو غير دقيق ، أو أدت إليه عوامل خارجية ، لا تتصل بفن حافظ ، بل بظروف حياته . كل هذا ، أو بعضه مع التسليم بأن شعر شوقي أكثر تنوعا، وأدل على عمق الثقافة ، والخبرة بمناحي الحياة ، وقد ألمحنا من قبل إلى جانب من رأى طه حسين في شعر حافظ ، هو عنده ، لم يولد ولكنه اجتهد وحاول حتى بلغ ما يريد . ونمضي الآن عبر رحلة سريعة في أقوال النقاد والكاتبين ، نستقيها من العدد الخاص الذي أصدرته مجلة ” أبوللو ” ، عن حافظ وشعره . وجدير بالذكر هنا أن نعرف أن حافظا رحمه الله ، توفي في شهر يوليو سنة اثنتين وثلاثين ، فظهر عدد سبتمبر من المجلة ، تتصدره صورة حافظ ، وبضع صفحات عنه ، ووعد بإصدار عدد خاص ، وهنا يحدث أن يلحق به صنوه أحمد شوقي الذي كان رئيسا لجماعة أبولو ، على الرغم من أنه لم يكن صاحب فكرتها ، ولا مؤسسها ، فنجد أنه قد تفرغت المجلة لإصدار عدد خاص عن شوقي، وشغلت بأمير الشعراء عن شاعرنا الذي انتظر عدده التذكاري الخاص عاما كاملا، فظهر في الذكرى الأولى لوفاته ، في حين صدر العدد الخاص بشوقي بعد وفاته بشهر واحد !! إن هذا كله لا يخلو من مغزى : في الإحساس بأهمية الشاعر ، ووضوح الرأي فيه ، والتهيؤ للكتابة عنه ، واتساع مجالات هذه الكتابة .
لقد اهتم الكاتبون عن حافظ ، بشخصيته ، وتكوينه المزاجي أو النفسي ، ثم أهم قضايا شعره : الاجتماعي ، والسياسي ، وشعر الرثاء ، وموقفه من قضايا التطور الاجتماعي ، كقضية المرأة ، والدستور ، والتعليم . ولم يبد أحد اهتماما يذكر ، بروايته النثرية ، التي كتبها على طريقة المقامات ، وسماها : ” ليالي سطيح ” ، وسطيح هذا كاهن جاهلي ، لقيه شاعرنا حافظ ، لقاء خياليا على شاطئ النيل ، فقد ضاق بالناس وبالحياة ، وظل يشكو حتى سئم الشكوى ، فانطلق يطلب العزاء في الغزل متأسيا بقول الشاعر القديم ( الأحيمر السعدي ) :
عوى الذئب فاستأنست للذئب إذ عوى وصوت إنسان فكدت أطير
وفي هذا الجو النفسي الموحش ، يلتقي ابن النيل بالكاهن الجاهلي ، ويتواعدان على اللقاء كل ليلة ، في نفس المكان ، إذا ما ظهر سهيل في السماء . وهكذا تمضي الليالي ، وابن النيل يصحب كل ليلة شخصية تمثل مشكلة أو قضية ، يناقشها مع سطيح؛ وهكذا يعرض لأمور نجدها بذاتها في شعر حافظ ، وإن تكن في ديوانه مطروحة في حدود ما يستطيع الشعر من العرض والحوار والتحليل ، مثل : قضية الحجاب والسفور ، والامتيازات الأجنبية ، ومعنى الحرية ، ومكانة شوقي وشعره ، واللغة العربية ومحنتها على يد كتاب الأساليب الأعجمية ، ويسخر من الشعوذة التي تسللت إلى الطرق الصوفية، ويلوم عامة المتعلمين في إقبالهم وحرصهم على وظائف الحكومة .. إلى آخره .
وقد ظهرت ” ليالي سطيح ” بعد أن نشر المويلحي روايته المشهورة في شكل مقامات أيضا وهي بعنوان : ” حديث عيسى بن هشام ” ، ولكن يبدو أن حافظا كان قد بدأ الكتابة قبل المويلحي . ومهما يكن من أمر السبق فإن ” حديث عيسى ابن هشام ” تبدو أكثر نضجا ، في أسلوبها ، وشكلها أيضا ، أما ” ليالي سطيح ” فقد التزمت بمسرح واحد للحوادث لم يتغير ، وسيطر عليها أسلوب ” علائي ” متشائم ، ومع هذا الذي نراه ، فقد تحمس لها شيخ نقاد العصر : الدكتور محمد مندور ، رحمه الله ، واعتدها من طلائع القصص الاجتماعية ، ورفض أن يعتدها محاكاة لحديث عيسى بن هشام .
وهناك مشاركة أخرى لحافظ في عالم النثر ، والنثر القصصي بوجه خاص ، وذلك حين ترجم رواية فيكتور هوجو ” البؤساء ” ، وقد نشرت أكثر من مرة . وأيا كان الرأي في رواية البؤساء ، وهي ليست بأجود ما كتب الشاعر الفرنسي ، ومهما كان الرأي في سبب اختيارها دون غيرها ، وهل هو حزن حافظ وبؤسه ، فإن هذه الترجمة قد لقيت نقدا لاذعا، للأسلوب المعقد المصطنع ، تحت شعار ” النثر الفني ” الذي يأباه فن الرواية كل الإباء ، ثم لأن حافظا لم يكن يترجم ، بمقدار ما كان يلخص ، فلم تكن لغته الفرنسية تعينه على الإدراك الصحيح لمرامي المؤلف ، ومن ثم كان يتصور المواقف بشكل عام ، ثم يقربها إلى القارئ العربي بقدر ما وقع في فهمه .. هذا فضلا عن إهمال صفحات بأكملها!! وهذا يعني – في النهاية – أن حافظا لم يكن يترجم ، وما كان باستطاعته أن يفعل ، ولعله كان في حاجة إلى بعض المال ، فاندفع في هذا السبيل ، وتورط !! وعلى أية حال ، فإن حافظاً لم يكن وحده في مجال هذا التعريب التقريبي غير الدقيق لعيون الآداب الأجنبية ، أو الفرنسية بالذات ، فقد سبقه المنفلوطي ، وجنى الشهرة والمال الوفير من بول وڤرجيني ، وفي سبيل التاج ، وغيرهما .. وقد وصل به الحال أن هذا العمل الأخير ، كان مسرحية ، تحولت بقلم المنفلوطي إلى رواية !!
ونعود إلى هذا العدد الخاص من أبوللو ، الذي صدر في الذكرى الأولى لرحيل شاعر النيل لنتعرف على جانب من آراء نقاده في الذكرى الخمسين . لقد اشتمل العدد على نحو أربعين مقالة ودراسة وقصيدة ، كلها عن حافظ وشعره .
ينوه داود بركات بمقدرة شاعرنا على الحفظ ، وإن كان لا يعلق بحافظته ، إلا ما يستحب ويستلمح . ثم يقول : ” والعجب أن الشائع في الاعتقاد أن من كان سريع الحفظ كان سريع النسيان.فإذا صحت هذه القضية،فقد حق أن يستثني عليها هذا حافظ إبراهيم “.
ثم يذكر أن حافظا قبض ، وليس في داره إلا ثلاثة أجزاء من الأغاني ، وكتابان بالفرنسية ، وبعض القصص المترجمة يتسلى بها في وقت فراغه . ثم يقرر الكاتب أن حافظا قرأ التراث الشعري كله ، ولكنه كان يتخلص من الكتب بإهدائها إلى أصدقائه .
ويقول عنه كامل كيلاني ، الذي عرفناه فيما بعد مهتما بالكتابة للأطفال : لقد كان مثال الشاعر النابغة ، وإن لم يكن مثال الشاعر العبقري ، وكان واسع الحفظ ، وإن لم يكن واسع الإطلاع ، وكان مثال الأديب المتزن البارع ، وإن لم يكن مثال الأديب المثقف العميق . وكان مع ذلك مثال اللغوي الخبير بأسرار اللغة ودقائقها ، وكان متواضعا بعيدا عن الزهو والخيلاء ، كما كان عف اللفظ ، سمح الخلق ، عذب الحديث .
ويكتب الشاعر أحمد محرم ، بحثا مستفيضا . يتقصى فيه المواضع التي أفاد فيها حافظ من أشعار سابقيه ، وينبغي أن ننبه هنا ، إلى أن مثل هذا لا ينال من موهبة الشاعر وأصالته وقدرته على الابتكار ، ونأتي ببعض مما سجله الشاعر أحمد محرم :
قال حافظ في الشيخ محمد عبده :
ما أجزل الله ذخري قبل رؤيته ولا انتفعت بإيمان وتوحيد
وقال ابن هانئ في المعز :
لـــــولاك لم يكــن التفكر واعظـا والعقل رشدا ، والقياس دليلا
لو لم تكن سبب النجاة لأهلها لم يغــن إيمــــان العباد فتيلا
قال شاعرنا في رثاء الشيخ :
لقد كنت أخشى عادي الموت قبله فأصبحت أخشى أن تطول حياتي
وقال النابغة الذبياني :
فإن تحي لا أملل حياتي ، وإن نمت فما في حياتي بعد موتك طائل
بل يذكر المرحوم الشاعر أحمد محرم ، أنه لقي حافظا بعد أن نشر قصيدته الرنانة – كما يقول – في ذكرى شكسبير ، ومطلعها :
يحييك من أرض الكنانة شـاعرٌ شغـوفٌ بذكـرى العبقرين مغرمُ
فسأله حافظ : أقرأت قصيدتي في شكسبير ؟ يقول أحمد محرم : قلت : نعم ، وابتسمت ، فضحك رحمه الله ، وقال : وماذا نصنع يا أخي ، وقد ابتلانا الله بلغة الصحف ؟ لقد أعجب كتابها بكلمة ” شغوف ” ، فهي لا تفارق أقلامهم ، ولا تنجلي عن شفاهنا . والصواب ” مشغوف ” كما تعلم . لقد جعلت مكانها كلمة : ” ولوع ” وانتهى الأمر .
أما الدكتور زكي مبارك ، فيلفت إلى جانب آخر ، هو الأثر الإيجابي لعلاقة حافظ بالإمام الشيخ محمد عبده ، فيقرر أن حافظا كان من المفتونين بأدب اللغة العامية ، وكان يحفظ كثيرا من المواويل والأزجال ، وكان ينشد محفوظاته تلك في حماسة وإعجاب . ولكن اتصاله بالأستاذ الإمام محمد عبده ، حوله إلى قوة طاغية في مناصرة اللغة الفصيحة، وصداقته للوزير المصلح أحمد حشمت باشا ، دفعته إلى التفكير في رياضة تلامذة المدارس على فهم لغة القرآن ، فأنشأ قصيدته المشهورة ، على لسان اللغة العربية :
أنا البحر في أحشائه الدرُّ كامن فهل ساءلوا الغواص عن صدفاتي
أما إبراهيم عبد القادر المازني ، فقد كانت له مع حافظ وقائع عنيفة ، إذا نقده نقدا لاذعا ، ولكن : ما مصير هذا النقد ؟ يقول المازني بأسلوبه الساخر الجميل :
” نقدت حافظا رحمه الله في سلسلة مقالات كنت أعتز بها ، واعتدها شيئا ثمينا فجمعتها ونشرتها في كتاب ، بيع من نسخة القليل ، وتكدس أكثرها عندي ، فبعتها لبقال رومي – لعله أمي أيضا ، ليلف في ورقاته ما شاء الله من جبن وزيتون ، أو يفعل بها ما هو شر من ذلك ” .
فما الذي تغير ؟
يقول المازني : ” ولم يتغير رأيي في الشعر ، ولكني صححت موقفي من حافظ ، فهو عندي لسان العصر الذي عاش فيه ، وصوت الشعب الذي أنجبه .. فحافظ شاعر شعبي ، ولست أقصد إلى الإزراء به ، أو الغض منه ، فما أريد أكثر من أن أقول : إنه يصور روح الشعب الموجع في أمر نفسه ، والحيرة في أمر هذه المقادر ، التي لا تجري إلا بالدواهي والأزراء . وما قرأت شعرا لحافظ إلا أحسست ذلك منه . وأكبر ظني أن غيري من القراء مثلي ، وليس بالقليل أن يكون رجلُ لسان أمة ، والهاتف بنجوى ضميرها، وسر روحها ، مهما كان الرأي في قيمة الشعر من حيث هو شعر ، وبغض النظر عن بواعثه ، وعن الروح التي صدر عنها الشاعر ، والغاية التي اعتمدها ، وقصد إليها ” .
رحم الله الشاعر والناقد : حافظا ، والمازني ، فلا تزال الكلمات التي أبدعا في زمانهما ، نورا يزين العربية ، ويمد بحرها الزاخر باللؤلؤ المكنون ، إلى ما شاء الله …