أجدع من الملك لير.. 17 ديسمبر 2016

أجدع من الملك لير.. 17 ديسمبر 2016

أجدع من الملك لير..
قبل نهاية هذا العام ينبغي أن نحتفي بذكرى الشاعر العظيم “ويليام شكسبير” الذي توفي عام 1616، أي منذ أربعة قرون وقد قرأت ما تيسر لي من مسرحياته ومن أشعاره الغنائية من نوع السوناتا ( = الموشحة أو ما يقاربها في النسق) وقد شاع بين جمهرة نقاد المسرح أن مسرحية “هاملت” تعد أكمل مسرحية من الوجهة الفنية ولكني لم يعجبني هذا الهاملت بتردده وضرباته الطائشة، وأحسن منهم_ في رأيي _ ذلك الملك الأحمق “لير”، ومع هذا فإنني تصورت أن في هذه المسرحية نوعاً من الخلل في مفهوم القيمة، ومسالك التوازن أو التوافق النفسي.
لقد أراد شكسبير بشخصية “لير” على ما هي عليه أن يبرهن على سطحية الحكم ومغبة الانخداع بالزائف من القول. وقد فكرت في خطة “لير” كما فكرت في إمكانية تجنب الإجراء السلبي الذي أدى إلى مأساته من الناحية الإنسانية كما من الناحية الفنية، بما يعني أنني كنت أفكر فيه ليس من منظور مطالب النقد المسرحي وحدها وإنما من منظور مفهوم القيمة وما ينبغي أن يتحقق في الإنسان (التراجيدي) بما أنه مطلق الإرادة يحكم دون ضغوط ليحقق وضعاً مثالياً، أو يراه كذلك.
ومن ثم تحركت رؤيتي الخاصة بين مطالب النقد وضرورات الإبداع، وتمنيت لو أنني كتبت هذه المسرحية من جديد بمنظور مختلف وتصور قيمي إيجابي بطريقة تعود إلى الوصول إلى وضع أسلم مما وصل إليه “لير/ شكسبير”، ولعلي في تصور أنني “أجدع” من الملك لير قد قمت تجاه أولادي بما يشابه ما قام به ذلك الملك تجاه بناته مع اختلاف في التصور والطبع، ومن خلال هذا المسلك العملي ونتائجه التي أعايشها تبين لي أنني لست “أجدع” من “لير/شكسبير” وحسب وإنما أنني استطعت أن أرتقي بمفهوم المسرحية وأجعل منها متضمنة قيمة مجروحة في النص الشكسبيري هي قيمة الصدق والوفاء من جانب البنتين، وصدق الحدس وتطبيق العدل بين البنات الثلاث.
في تصوري أن أهم ما ينقص النص الشكسبيري وأنه النقص الذي أدى إلى خلل في بناء شخصيتي البنتين الكبيرتين. أن هذا الأب (الملك لير) لم يكن صافي النية في التنازل عن العرش (تنازل وعينه فيه) ولهذا صمم على أن تظل في يده حصة من السلطة والهيمنة والتظاهر بالعظمة، وقد أحنق هذا بنتيه الكبيرتين فلعله استحق تآمرهما بما في أخلاقهما الشخصية السلوكية من فساد فضلاً عن أنه لم يكن صافي النية فيما منحهما من سلطان، ويضاف إلى هذا أمر آخر وهو أنه لم يذكر شعبه بكلمة واحدة طيبة فلم يشترط على بنتيه أو بناته العدل في الحكم، أو الرفق بالرعية، أو التخفيف عن الناس، وإبعادهم عن مواطن الخطر والهلاك وبذلك كان “لير” صانعاً لحتفه محدداً لنهايته القاسية في هذه التراجيديا التاريخية.
فهل أنا حقاً أجدع من “لير” إذ تنازلت طواعية (بالبيع والشراء) عن كل ما أملك (وهو ليس مملكة على أية حال لكنه كل ما أملك) حريصاً على المساواة لا فارق بين ولد أو بنت صغير أو كبير، ثم لم أضع “أنفي” في أي أمر من أمورهم أو قراراتهم فيما يملكون بأي درجة إلا حين يطلبون العون الصريح مني!!

اترك تعليقاً