متى يحق لك أن تقول كلمتك ؟ – 1 فبراير 2017
متى يحق لك أن تقول كلمتك ؟
النقد ، بمعنى الكشف عن الحد والفصل بين عناصر التكوين ، وإبراز ما بينها من تكامل أو تناقض أو تلفيق ، النقد بهذا المعنى مكون فطري في العقل الإنساني . وحتى النقض بمعنى إبراز النقائص أو الأخطاء هو حق أيضا ، وأساس في تكوين العقل ، ولكن من المؤسف أن المجتمعات الشرقية دأبت على محاربة النقد ، وتجريم النقض . ولست أشك في أن هذا الاصطلاح الاجتماعي أحد أسباب التخلف والانحراف ، واستشراء الفساد في المجتمعات الشرقية بخاصة ، يغلب هذا على ظني بمساندة ملاحظة أخرى ، وهي أن الشعر العربي ونظرية الحب عند العرب من أقدم عهودها إلى يومنا هذا تحرص على ذكر العذول ( العاذل ) وتحذر منه بل إن ابن أبي داود الظاهري – وهو أول من ألف كتابا عن الحب بعنوان : ” كتاب الزهرة ” عقد فصلا في كتابه يحذر فيه من العاذل الحريص على إفساد العلاقة بين المتحابين ، وكيف يتحايل المحبان على مخادعته ، والاختفاء من طريقه !! وبعد كتاب الزهرة نجد الفقيه الظاهري ( الآخر ) ابن حزم الأندلسي – في كتابه الشهير : ” طوق الحمامة في الألفة والأُلاف ” يعقد بابا عن الكاشح أو العاذل الذي يحرص على إفساد العلاقة بين المتحابين حسداً ، وربما إيثارا لنفسه !!
إن هذه الطريقة في تصور الأشياء – بما فيها علاقة الحب – رسخت في الوجدان الشرقي ، وأخشى أن أقول : الإسلامي . أن الحاسد كامن دائما وراء الأشياء ، وأنه قابع في الظلام ينتظر الفرصة للإنقضاض ، وحتى يومنا هذا لا تزال أغاني الحب المتداولة تتغنى بكيد العذال ، وتعد هذا الكيد ( الإغاظة للآخرين الحاقدين المتخيلين ) من أسباب تمام المحبة ، وهذا أمر عجب لأن النقص لا يكون أبدا من أسباب الكمال !!
فإذا نقلنا القضية من مستوى ” الحب ” إلى مستوى ” العمل العام ” فإن أي نقد أو انتقاد سيصنف على الفور من جهة الموجه إليه بأنه نوع من الحسد ، والكيد ، والحقد ، ورغبة في إزالة النعمة ، وتمني الحلول في نفس المكان !! وكأن النقد أو الانتقاد رغبة في جبر النقص وتقويم المعوج ، ومقاومة الفاسد لا مكان له في أخلاقنا ، أو في حياتنا !!
فكم من أمور نراها فاضحة الفساد ، تفوح منها روائح غير صالحة بالمرة ، ولا يمكن إساغتها ، وتغري بضرورة التنديد بها من أجل الصالح العام ، وحق المجتمع ، وواجب إعلان الحقيقة ، ولكني ، وأمثالي كثر ، أؤثر الصمت أو التطرق إلى المعنى العام من بعيد ودون إشارة إلى وقائع محددة ، تستحق أن تذكر محددة بالمكان والزمان والشخص أيضا ، غير أن تجنب التهمة الجاهزة بأن هذا من الحقد أو من العجز أو من الطمع يدفع بنا إلى إيثار الصمت وترك الأمور تنفضح بفعل الزمن ، أو بغير لساننا ، تعففا عن دخول معترك الصراع على منافع خسيسة ، وعابرة ، إن لم تنكشف اليوم وتؤتي ثمارها المرة في حياة مرتكبيها فإنها لابد أن تطفو مع تغير الزمان وتعلن عن فساد أصحابها وتلاحقهم في تاريخهم وفي ذكريات خصومهم .. وحتى أتباعهم والذين أفادوا منهم في انحرافاتهم .
من الطريف حقا أن يعمد شرقنا ( الخرافي ) بأن يغلق أبواب النقد وأبواب النقض على السواء في حياة صانعي العمل الفاسد وحتى بعد رحيلهم عن الدنيا . فإذا كانت التهمة بالحسد تلاحق من يوجه نقداً إلى مسئول يتمتع بكرسيه الوثير وثرائه الحرام ، واستغلاله لسلطة منصبه المتسلط على رقاب العباد ، فإن عبارة أخرى تلاحق النقد بعد رحيل ذلك المسئول ، بإعلاء تلك اللافتة المشهورة التي تقول : ” اذكروا محاسن موتاكم ” !! مع أن ” موتانا ” من هذا الصنف اللعين لم تكن لهم أية محاسن يمكن أن تذكر لهم . ولهذا تعطل أدوات النقد وإمكانات النقض ويتقدم الشرق ( العربي خاصة ) بسرعة السلحفاة في زمن سرعة الضوء والفيمتوثانية !!