عطفا على ما سبق .. 9 مارس 2017

عطفا على ما سبق .. 9 مارس 2017

عطفا على ما سبق ..
الفكرة الجوهرية التي أرجو ألا يتبدد مغزاها : أن ” مشروع بناء مصر الجديدة ” لا يصح أن يرتبط بمرحلة زمنية ، أو بنوعية الحكومة ، إنه موضوع ” حياة ” وضرورة ” تطور ” ومن ثم فإنه مفتوح على المستقبل بشكل مستمر ، من ثم يجب أن يشغل الأجيال المتعاقبة ، واستدعي هنا فكرة المفكر الجزائري ” مالك بن نبي ” في القول بوجود أمم وشعوب لديها ” قابلية للاستعمار ” !! ويقصد بهذه الشعوب التي تعرف معنى الصواب ، ومع ذلك ترتكب الخطأ ، وتدرك شروط التقدم ، ومع ذلك لا تعمل بها !! فهذا عنده يعني أن الأمة التي تقبل ذلك إنما تغري الأقوى والأكثر تقدما بأن يستولي على أرضها ، ويقوم على إدارتها ، وهذا أقوى مبرر للاستعمار !!
هناك إشارة سلفت ، أنا مدين بها لعميد الأدب العربي ( طه حسين ) وهي أنه ليس شرطا أن القوة السياسية تؤدي إلى القوة الحضارية والثقافية ، واستدل على هذا بالعاصمة المهيمنة ( بغداد ) فقد كان الأدب والتحضر الاجتماعي والعمراني في موقع الهامش بالنسبة للعاصمة الكبرى حيث الخلافة والخليفة ، فلما استقلت ” حلب ” وأصبحت إمارة للحمدانيين ، استطاعت أن تبث حياة جديدة فيما حولها ، فاستوعبت المتنبي ، وتصدت لهجمات الروم ، على الحدود الشرقية للخلافة العباسية ، وكذلك الأمر حين تأسست الدولة الفاطمية ، فإنها لم تكن انتقاصا من دولة الخلافة العباسية التي كانت بطريقها للانحدار ، بقدر ما كانت حافزا للتجديد في القاهرة ، وفي بغداد كذلك … وهكذا . وهذا تنبيه للباحثين في العصور الأدبية بألا يغريهم منطق التطابق ، أو التوازي ، وأن ” الوحدة ” أفضل من ” التقسيم ” المهم هو الأسس التي تقام عليها الوحدة ، وفلسفة التقسيم ، وحقوق الأقسام .
أما ” يورك … ونيويورك ” فأردت بها أن أشير إلى أن الإنجليز المهاجرين إلى الأرض الجديدة ( أمريكا ) بدافع الحنين إلى الوطن ، والحرص على الامتداد ، أطلقوا على المدينة التي أسسوها ( نيويورك = يورك الجديدة ) إيماءً إلى المدينة البريطانية الأوسع شهرة في مجال الغزل والنسيج ، واكبر مستورد للقطن المصري حين كان العالم كله يتنافس عليه !!
لم يفكر الإنجليز ، ولا غيرهم من الشعوب التي تخطط – استراتيجيا – لمواقع مدنها أن يقيموا ( يورك الجديدة ) ملاصقة ، أو على مقربة من ( يورك التاريخية ) وإنما ذهبوا بعيدا جدا ، إلى الأرض الجديدة ، وفي هذا إشارة لنا – إن كنا نستوعب الإشارات كما ينبغي ، فلا نؤسس طنطا الجديدة على مشارف طنطا الراهنة ، وإلا فإن هذه الجديدة لم تتجاوز أن تكون عبءاً على القديمة ( ولا أقول ورماً ينبئ بعلل مستجدة ) فكيف ينبغي أن نفعل ، وليس لدينا ( أرض جديدة ) نغزوها لنقيم عليها ( كل جديدة ) نتوسع بها جغرافيا ، ونجدد المناطق المهملة ، أو الغائبة عن الذاكرة الوطنية ؟
الحل فيما أتصور : أن ننشئ تلك المدن الجديدة في عمق سيناء ، وفي عمق الصحراء الغربية ، وبذلك نحيي أسماء المدن التاريخية ، ونؤكد الهوية الوطنية ، ونتيح فرصا للسكنى والعمل ، والأنشطة المستحدثة في مناطق بكر لا يضار فيها أهلها من البدو أو غيرهم ، بل ربما وجدوا مجالات عمل ، ومشاعر انتماء ، وأنساق ترابط ، تتجاوز رابطة القبيلة التي لم يعرف بدو الصحراء غيرها ، وآن ( لبدو المدن الجديدة ) أن يعيشوا حالة من المواطنة ، والوعي والترابط ، والتنبه الحقيقي لحجم الوطن يتجاوز ” صدى الصوت ” الذي يحدد سلطة القبيلة .
أذكر أنه من نحو ثلاثين عاما خرج وزير في تغيير وزاري ، وكان هذا الوزير أستاذا لي ، وصديقا عزيزا . في ذلك المساء نفسه ذهبت إلى بيته بقصد التخفيف عنه ، ومساعدته على استيعاب التغير المفاجئ الذي داهم حياته . تصادف أن كان في زيارته ” وزيرٌ آخر ” تم تغييره في نفس الحركة ، وطال الحديث وتشعب ، فكان مما أفضى به هذا الوزير الآخر : إن الحكومة التي تعلن أنها تشجع إنشاء المدن الجديدة ، هي في الحقيقة تخافها ، وتحاربها ( سرا ) وتفضل أن يظل الناس ( مكدسين ) في العشوائيات وما يشبهها على أن ينبسطوا على مساحة رقعة الوطن ، بما يؤدي إلى ( احتمال ) انفلات الأمن ، وان يظهر في تلك المدن الجديدة / البعيدة جماعات أو قيادات غير محسوبة ، أو متوقعة !!
أرجو أن تكون هذه المقولة القديمة صدى لأحزان الخروج من الوزارة ، وأنها لا تمثل حقيقة !!

اترك تعليقاً